إطلالة على شعر إسوياس (2)

88

إطلالة على " شعر" إسوياس...(2).

لطالما فرّق النقّاد بين الشعر والنظم… فكل شاعر في الأصل ناظم ولكن ليس كل ناظم شاعراً.
فالنظم مجرّد كلام موزون يتبع فيه ناظمه نسقاً معيّناً ويخضعه لتفاعيل عَروضيّة لا يحيد عنها … ولكن هل يعدّ هذا كافياً ليُسمّى إنجازه شعراً.. كلا !! فالشعر – زيادة على كونه نظماً – له مواصفات من حيث اللغة المستعملة فيه فهي تختلف عن لغة التخاطب المألوف في كونها تتوخّى جمال التعبير فتستعين بكل الأساليب البلاغيّة التي تجعل الكلام مؤثّراً موحياً … بخلاف اللغة العاديّة التي تكتفي بإيصال الدلالة كيفما اتّفق….

وبعد هذه المقدّمة نعيد الإطلالة على ما يروج اليوم في ” إسوياس” … فهل هو شعر ؟ هل هو مجرّد نظم ؟ أم أنّه كلام اختلّت فيه مواصفات الشعر والنظم معاً ؟
ويؤسفني أن أخبر القارئ بأن ما يروج في إسوياس اليوم ليس شعراً ولا نظماً.. وليس كلامي مجرّد حكم قيمة بلا سند ولا دليل.
ففي الجزء الأوّل من هذه المقالة نبّهت إلى مزالق عَروضيّة كثيرة رصدتها في بعض الحوارات ” الشعريّة”… وتعمّدت التركيز على أحد من يحلو للبعض أن يعدّه من الروّاد وأحد من هيمنوا على الساحة بكثرة حضورهم في السجالات المختلفة… وهكذا لن يكون من باب التجنّي أن نحكم على سجالات إسوياس السائدة اليوم بأنّها ليست نظماً لأن الأوزان الشعريّة فيه غير محترمة لدى ” الكبار” فكيف نرجو من المبتدئين الانضباط للأوزان؟
وإذا لم تكن تلك الإبداعات نظماً فمن باب أولى أن لا تكون شعراً…
وقد وعدت القارئ في ختام الجزء الأوّل من هذه المقالة بأن ألقي نظرة على اللغة الشعريّة المعتمدة لدى من سيطروا على ” إسوياس” لأبيّن الخلل الموجود في الأساليب والتراكيب وأرصد المستوى البلاغي لتعابير ” شعرائنا” ..

وسوف أتّجه مرّة أخرى إلى ” نظم ” من يوصفون ب ” عمالقة ” أسّايس لأبيّن للقارئ الكريم أنّ هؤلاء إنّما ارتدوا لُبوساً لا يناسب مقامهم وانتحلوا صفات ليست لهم: ” كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد”.
إذا كان خير الشعر ما فهمته العامّة ورضيته الخاصّة. أو بعبارة أكثر بياناً: ما أدركت العامّة معناه وأدركت الخاصّة فضله… فإنّ الشاعر يُنتظر منه أن يوصل المعنى إلى العامّة بوضوح العبارة وسلاستها ولكن يجب أن يراعي إرضاء الخاصّة الذين يعرفون ” شرف المعنى”… فيالها من مهمّة صعبة !!!
والآن سأستعرض جملة من النماذج من شعر ” العملاقة” دون ذكر الأسماء. لنرى سوياً أيّها القارئ الكريم هل يُرضي شعرهم الخاصّة أم أنّه لا يتجاوز إخبار العامّة بما يحصل في الواقع: ” لبريح ” ….
رغم أنّ مجرّد إيصال المعنى إلى العامّة دون إرضاء الخاصّة قد يستعصي على بعض هؤلاء.
أولى الملاحظات على ” شعر ” هؤلاء هي دورانهن في حقول دلاليّة محدودة: أنوض، لقرطاس، أسفار، لباب، تساروت، لفقيه، تاليمامت… هذه الرموز نجدها تتكرّر لدى أغلبهم مع اختلاف طفيف في الصياغة. ممّا يدلّ على انعدام الاجتهاد في استحداث صور شعريّة جديدة وإن كان التصوير الشعري بمعناه الحقيقي منعدماً لدى أغلبهم.
وثاني الملاحظات : ركاكة الأسلوب بالإكثار من لفظة “نِيتْ” ولفظة “أوكان”ولفظة “أك” …
قال أحدهم :

“لوزير أوكان أد أك تورو تاليوين….”

وقال آخر:

“رحمت أد نيت حتاجاخ رايس نيت نفرح…”

وأراد أحدهم الإشارة إلى اقتراب موعد الانتخابات فقال:
” ستا أوعشرين أياد أوكان إيروح…” وقال آخر :


“هان إيكا لعاقل ماد أك نيت نتمشيوير”.


ومن الملاحظات كذلك عدم التوفيق في اختيار العبارة السلسة للتعبير عن المعنى :
فانظر إلى هذا الحوار الثلاثي بين ثلاثة اعتلوا قمّة الهرم ولا أدري كيف صعدوا إلى تلك القمّة ومن أجلسهم عليها؟. قال الأوّل :

“مدن سنخ إس أور نكادان مقار نساوال” ( كلام موغل في التقريريّة)

فأجابه الثاني:


“أولا صاحت أور نكادان كويان س لحق نس”

أمّا ثالث الأثافي فقد حاول الرقيّ بلغته إلى استعمال الاستعارة فأخفق . قال:


” إسكاسن أد تنضامخ أراون تينيخ
أهان أزرو د أوطوب أور راداك نمالان
أتيروكزا تزلي دار كويان غ لمحال”


ولننظر الآن في الأساليب الشائعة لديهم لنلاحظ مدى افتقارهم إلى شرف المعنى:
قال أحدهم مخاطباً الآخر الذي بقي أعزباً بلا زواج :

“نتان إيكَا شّباب إغزان س ووال نس
إمال إن شاء الله إس رايطف أييس نس”


فأجابه الآخر :

أنكين كَيخ شباب مش أور تا إلا يات….


أليس الأجدر به أن يقول:


أكيخ أمناي أوالله مك تا إلا واييس.؟


وقال ثالث :

“رشيد أور دارسن لعاقل أور إطاف لمال
وأنا مي سدوقرن أُهوي كا أساس تينين”


والأولى أن يقول :


“متا غوان رايزنز أييس إي واناو نس”

أو أن يقول على الأقل :


“ما راداسن إفك تادا أورون أتنّت أوين”

وحاول أحدهم أن يرقى بكلامه إلى مستوى اللغة الشعريّة :


“مينهو كَان حقّان غزّة فتان إراتن لاح…”

فالصورة هنا غير مناسبة لأن الشاعر مينهو فرد وسكّان غزّة أفراد يُستشهدون واحداً تلو الآخر فلا يصحّ أن نشبّه تراجع شهرة مينهو بإبادة أهل غزّة وهناك إمكانات أخرى كثيرة لتصوير هذا المعنى….

ولنا لقاء آخر مع نفس الموضوع إن شاء الله.

ذ.عبد الرحمان واد الرحمة

عبد الرحمان واد الرحمةمؤلف

Avatar for عبد الرحمان واد الرحمة

من مواليد 1969 بمدشر أكَادير لهنا بمدينة طاطا، يشتغل أستاذا بثانوية علال بن عبد الله ب طاطا. أسّس جمعية "أسافو للمسرح والموسيقى" في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك مجموعة طاطاماركَ الموسيقية. اهتم بكتابة الشعر الأمازيغي منذ أواسط الثمانينات. شارك في ديوان ثلاثي "تاجا ن ئكَزار"، وفي ديوان جماعي "أوال ئدران"، وله ديوان فردي تحت الطّبع. تغنى بأشعاره مجموعة من الفنانين: مجموعة طاطاماركَ، الفنان حسن الوردي، مجموعة ئزماون، مجموعة لرباح ن سوس، مجموعة أجيال سوس، الفنان كَرابي عبد المجيد، عبد العالي ئزنكاض...وآخرون

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *