الشاعر علي شوهاد ورائعة سيدي حمّاد.

 
كثيرة هي القصائد التي اجاد الشاعر مولاي علي شوهاد سبكها وأتقن بناءها وبرع في تصوير المعاني من خلال أبياتها وتخير لها من المواضيع امتعها وأطرفها .
وإن المتلقي ليحار في اختيار اي قصائد هذا الشاعر يتوقف عنده كما تحار النحلة التي تجول بين الزهور والرياحين كل يغريها بألوانه وعطره .
ورغم ذلك قررنا ان نتوقف بالقارىء عند قصيدة ” سيدي حماد” .
اختار الشاعر مولاي علي شوهاد التطرق الى تيمة تبدو للوهلة الأولى موضوعا طريفا قلما انتبه إليه الشعراء الأمازيغ إلا أن الشاعر استطاع ان يمرر من خلاله خطابا عميقا فيه نقد لاذع لاعتقادات بالية عفا عنها الزمن ودعوة إلى التحرر من الخرافة التي طالما قيدت العقول و حرمتها التفكير الذي خلقت من أجله. وكبلت الهمم ولم تدعها تنطلق في دنيا الإبداع والإبتكار . ولئن كان علي شوهاد أحد الأوفياء للتراث المنتصرين له فإنه في ذات الوقت من الداعين إلى تخليصه من عناصره الدخيلة السلبية.
استغل الشاعر شخصية” سيدي حماد” ( ذلك المعالج الذي يجوب البوادي للالتقاء بمريديه ممن يرجون بركته ويطلبون الشفاء على يديه…) ليرمز بها إلى وضعنا المتخلف عن ركب الحضارة وليضع الأصبع على موطن الداء ساخرا من سيدي حماد الذي وجد نفسه عاجزا عن علاج امراض استعصت على كبار الأطباء وانى لمريض بعلة الجهل أن يداوي علل عصر لا يعيش فيه إلا بالجسد.
وقبل ان يسخر الشاعر من سيدي حماد تبرأ اولا من اساليبه الاستشفائية التي لا تعرف إلا الكي بالنار وتجرع مرارة خلطات الاعشاب :
 
ار نتيكساض اسيدي حماد اساقس.
دوزليف نوسافو يودا غاد ئي ياغن.
اجاتانخ نكا كولو تيموضان نزري.
نك مان ئزرين ؤر ئكي ماوند مالخ.
اسفار كيغ ئلا غ ؤسافو براخت.
تامنت اد ريخ أسيدي حماد ئميمن.
ئما تيركين د واغاد ؤر نك لكافر.
 
وما أغزر المعاني في هذه الأبيات وما ابدع التصوير!!!!.
ويواصل الشاعر رحلته مع سيدي حماد الذي ما أن يأخذ ” تيسنت ؤوفوس” حتى يشرع في استخدام ادواته العلاجية التي لا تعدو ان تكون خيطا يقيس به مجموع طول الاصابع ليقارنه بطول ذراع المريض فيخبره بما به من علة. ليبدأ في الكي بالنار وهو واثق كل الثقة من نجاعة وفعالية علاجه . ويصور الشاعر غرور ” سيدي حماد” بسخرية فيقول:
 
تيسنت ؤوقوس ئي سيدي حماد ئساول .
ئنا ئكا اضبيب ئغلب لفقيه ئحرشن.
ئغلب أك بوزلوم ئسن ماداس ئروان
ياسيد يا ئيفيلي ار ئسغال ئضوضان ئنو.
ئنا كيك بوصفير دوسميض ئماطل.
 
ذاك حال المجتمعات المتخلفة التي ينخر الجهل اساس بنيانها وتصر على التمسك به وتدافع عنه دون أن تجد لنفسها سندا من عقل ولا دين.
وبين رجل كواها سيدي حماد فاصبح صاحبها اعرج ويد كواها فاصبحت مغرفة بلا حراك يكتشف الناس انهم مخدوعون بسيدي حماد .
قد يعذر من يترك يده او رجله لتكوى بنيران سيدي حماد ولكن لا يعذر أبدا من ينحني لسيدي حماد ليكوي له رأسه إذ يرى الشاعر أن تلك الرأس يستحيل ان يكون بداخلها عقل يفكر:
 
وانّا مي جدرن اضار ئك أبيضار نس.
وانا مي جدرن أفوس ئك أغنجا قورن.
وانا مي لكمن أكايو ؤرت أدا طافن.
 
يعود الشاعر ليخاطب سيدي حماد ولكن هذه المرة بدون لفظ السيادة :
 
اطان اد نوزمزاد أحماد ئسوتل.
ئلا كيس سين د دال ئكيس أكايو نس.
ييلي كيسن سكر ؤر ئلي غ لكاغد
تيلي كيس تيسنت ؤرد لبحر أغ لانت.
 
لينبه حماد إلى أنه لا يفقه من أمراض هذا العصر شيئا …
وكيف يداوي مرض سين ودال الذي اعيى الاطباء . ومرضا يسمى بالسكر ولا يلفه ورق كالذي يعرفه الناس ومرضا يسمى بالملح ولا يوجد مثله في بر ولا بحر….؟
ويختم الشاعر قصيدته ليشير إلى ان حماد ليس إلا نتاج بيئة جاهلة فلا هو عاقل ولا اتباعه عقلاء.
ولاندعي أننا وفينا القصيدة حقها ولا اننا سبرنا غورها وإنما نأمل ان نكون قد نفضنا الغبار عن معالمها لمن يرغب في الغوض في أعماقها المليئة باللآلىء والددر.
وإلى هنا نودعكم و تصبحون على قصيدة.
 
عبد الرحمان واد الرحمة

عبد الرحمان واد الرحمةAuthor posts

Avatar for عبد الرحمان واد الرحمة

من مواليد 1969 بمدشر أكَادير لهنا بمدينة طاطا، يشتغل أستاذا بثانوية علال بن عبد الله ب طاطا. أسّس جمعية "أسافو للمسرح والموسيقى" في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك مجموعة طاطاماركَ الموسيقية. اهتم بكتابة الشعر الأمازيغي منذ أواسط الثمانينات. شارك في ديوان ثلاثي "تاجا ن ئكَزار"، وفي ديوان جماعي "أوال ئدران"، وله ديوان فردي تحت الطّبع. تغنى بأشعاره مجموعة من الفنانين: مجموعة طاطاماركَ، الفنان حسن الوردي، مجموعة ئزماون، مجموعة لرباح ن سوس، مجموعة أجيال سوس، الفنان كَرابي عبد المجيد، عبد العالي ئزنكاض...وآخرون

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *