شاعر ءاسَايسْ ومبدع القصيدة الغنائية الحاج آحمادْ "الرّيحْ"

هو الحاج أحمد بن محمد بن بيهي أوبلعيد المعروف فنيا بين الشعراء ب “احماد الريح”، ينتمي إلى أسرة معروفة ب”أيت بلعيد”، كانت ولادته سنة1936 (حسب الوثائق الرسمية، لكنه يقول إنه ولد عام 1931) بـ “دوار أيت مباركـ أوعلي”، في قبيلة إداكَاران التي تحيط بها قبائل أيت وادريم، أيت باها، أيت مزال، إكونكا وإمشكَيكَيلن… وهي كلها من معاقل فن أجماك، ومن حلف القبائل الجزولية الجبلية القديمة. وإداكَارن تنتمي إداريا إلى جماعة سيدي بوسحاب ،إقليم شتوكة أيت باها.
توفي والده وتركه طفلا صغيرا، وعاش اليتم وشيئا من الحرمان صغيراً. وقد قضى حوالي أربع سنوات في المسجد(تيمزكَيد) تعلم فيها الكتابة وحفظ قليلا من القرآن الكريم. شغف بالشعر وبفن أجماكـ منذ صغره حيث كان يفر من الرعي والأعمال الفلاحية إلى أماكن النظم والغناء والمتعة، ويحكي أنه انبهر صغيرا برؤية الحاج بلعيد وهو يزور أحد أعيان قبيلته.
وفي سنة 1945 سيجد كثيرا من الشعراء الكبار الذين ذاع صيتهم، ومنهم احماد ن كَموح (تاسيلا إمخيّنّ)، سعيد ن لحاجّ وإبراهيم ن بولحسن من أيت وادريم، عمر أوكْعيوسْ وعمر ألكجون من إكونكا، موح أونّاجيم،….وكان يحرص على حضور محاوراتهم بل ويعتبر التغيب عنها خسارة آنذاك. ثم انتقل حوالي عام 1948 من الحضور والمشاركة مع المنشدين (لعمتْ) إلى الرواية، حيث ينقل عن الشاعر نضمه ويمرره للمنشدين من أجل أدائه جماعة.
و هكذا ولج الشاعر عالم أجماك شاعرا محاورا مرتجلا سنة 1952 ويمكن اعتبار تلميذا لجيل من شعراء فن أجماكـ من أمثال المرحوم أحماد ن كَموح ، إبراهيم ن بولحسن، همو أوبيضار….. إذ في سنة 1953 سيقابل هذا الأخير المعروف آنذاك ب “نّقي” nnqi وذلك في محاورة شعرية ببيوكَرى على إثر نفي الملك محمد الخامس، وسيقبل آخرون بمحاورته لما لمسوه فيه من حذق وذكاء وحضور للبديهة وكلها من متطلبات الارتجال في “أسايس” وبها سيثبت مكانته الشعرية التي ستجعله حاضرا في أقوى المحاورات في مختلف قبائل وجهات سوس التي يسود فيها أجماك ويُستدعى الشعراء إلى مواسمها و”معارفها”ومناسباتها وحفلاتها.
في عام 1958 سافر رفقة ثلة من الشعراء إلى الدارالبيضاء للمشاركة في حفلات لأصناف أحواش كانت قد أقيمت بمعرض البيضاء (لافوارْ)، وهناك التقى بالرايس احماد أمنتاكَ وفرقته، وأحماد بلباشا إحيحي المعروف بفرقة “العوادْ”، والرايسة مباركة أولتْ تزنيت التي صاحبت فرقتها النسائية إلى هناك. ثم رجع إلى بلدته مزاوجا بين الفن والعمل الذي كان تجارة ثم بناءً في ما بعد.
ما بين سنة 1964 و 1968 كان الشاعر يرتاد أكَادير وإنزكَان وتازروالت (سيدي احماد أوموسى)، حيث كان يحضر حفلات الروايس حتى أدمن عليها بعشق، وفي 1964/65 سيلتقي بالرايس سعيد أشتوك، هذا الأخير لعب دورا كبيرا في تغيير مسار الشاعر من الانكفاء على فن أجماك إلى الانفتاح على فن الروايس حيث دخل عالمهم وتعرف إلى الكثير منهم بالدشيرة، وإلى طرق عملهم والكثير من أسرار هذا الفن ودقائقه. وفي هذه الفترة أيضا حوالي سنة 1962، استفاد من دروس محو الأمية التي كانت تُقدم بعد استقلال البلاد.
سيترك الريح فن أجماك من سنة 1972 إلى 1980 وتقلد آلة الرباب، وزار الكثير من المناطق والقبائل مع الروايس، والتي لم يتمكن من التعرف عليها وهو ممارس لأحواش المحلي بطبيعته. وفي 1980 سيرجع تدريجيا إلى مراقص أجماك والمحاورات الشعرية لاسيما بعد تأسيس “جمعية أجماك سوس” بمدينة إنزكَان التي لعب في تأسيسها وفي اشتغالها وإشعاعها دورا محوريا لا يُعوضه فيه غيره، سنة 1984 حيث ترك فن الروايس نهائيا لأن ما آل إليه من تغيير ـ حسب تعبيره ـ لم يُعجبه. وفي بداية هذه المرحلة ذاتها أي في 1973 سيستقر الشاعر بإنزكَان بعد أن استقدمه شخص اسمه بونعمان إليها، وكان قبل ذلك مستقرا ببيوكَرىن أما عمله في هذه الفترة فهو البناء وغالبا ما كان أصدقاؤه من الروايس وغيرهم يلتجئون إليه لبناء منازلهم (سعيد أشتوك، إبراهيم بيهتّي…) .
أجيال الشعراء الذين حاورهم :
وقد عاصر وحاور أغلب شعراء أجماكـ الكبار المشهود لهم بالقوة والبراعة وسرعة البديهة؛ من أمثال: موح أكنكو (ؤسلطانة)، عمر أكعيوس ، عمر الكجون ، أحمد أوعدي ن زِّي ، أحمد أورابوص ،امبارك بطاح، علي الباوش ،أحمد إغيدّا ،أحمد حنطجا ،أحمد أودريس ،جامع ن موح ؤلعسري ،سعيد أوزرو ،الرايس الطاهر،امحند أزماني، لحسن مغوغ ،أحمد حجوي ،أحمد أسباب …
ويعتبر الحاج أحمد الريح مدرسة فنية في مجال أجماكـ والشعر إذ تتلمذ على يده مجموعة من الشعراء المبدعين الشباب أبرزهم : الحسن أمغوغ ، احمد حجوي ، محمد ازمني حنطجا مزين ابراهيم بلايل، سعيد صبور ، محمد طوماش ، سعيد إدبناصر …
اشتهر بين الروايس مؤلفا للكلمات وعُرف بقصائده المطولة التي ألفها لعدد من الروايس والريسات وقد كانت تلك القصائد من عوامل نجاح وشهرة العديد منهم : سعيد أشتوكـ ،جامع الحاميدي، ابراهيم أشتوكـ، عبدالله بيزنكاض، رقية تالبنسيرت، فاطمة تيحيحيت مقورن، زهرة الدمسيرية، وفاطمة تيتكَيت… وعدد كبير من المجموعات الغنائية العصرية .
إنه شخص محبوب لطيف المعاشرة يتميز بجديته في التعامل مع الجميع مما أكسبه شعبية وشهرة واسعة داخل سوس وخارجه . له علاقات جد متميزة مع معظم إنضامن ن سوس بما فيهم إنظامن أحواش ن درست. يتميز شعره بعذوبة ألفاظه وبجمالية صوره، ونلمس في التجديد في الصور الشعرية، وابتكار معاني ذات علاقة بالواقع المعيش في كافة أبعاده وهي التي ثبّتت حضوره في محافل النظم أمام الشعراء من مختلف الأجيال، وجذبت إليه جمهورا متذوقا واسعا.
إشعاعه وعمله الجمعوي :
سيترك تيرّويسا ويرجع من جديد إلى مراقص (إسوياس) أجماكـ؛ إذ في سنة 1997 سيساهم في تأسيس جمعية أجماكـ سوس برفقة مجموعة من الشباب الغيورين على فن أجماكـ .
وكغيره من الروايس سبق أن تواصل مع الجالية المغربية المقيمة بالخارج حيث أحيا سهرات وحفلات غنائية فنية بكل من ساندوني بفرنسا وروتردام بهولاند رفقة صديقه الرايس الشاعر إبراهيم بيهتي .
كما ساهم في تأسيس جمعية إماريرن بتارودانت رفقة أشهر إنظامن أسايس.
شاركـ في عدة مهرجانات محلية ووطنية كان أبرزها مهرجان تيميتار بأكادير 2006، مهرجان الدقة والإيقاع بتارودانت 2007، مهرجان تايوغت بإنزكان 2010، مهرجان فنون أحواش بورازازت 2012. وقد تم تكريم الشاعر عدة مرات سواء من طرف الجمعيات أو من طرف المؤسسات الحكومية، وكان أبرزها من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط في مارس من عام 2012 ؛ حيث كان واحداً من بين ثلاثة شعراء تمّ اختيارهم من طرف هذه المؤسسة على المستوى الوطني . كما ساهم في تنشيط العديد من البرامج الإذاعية بكل من الإذاعة الوطنية و MFM سوس، وراديو بلوس. كما سجلت له حلقة خاصة من برنامج أسايس للقناة الثانية سنة 2008.
بعض الكتابات عنه :
– أصدر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2013 كتابا تحت عنوان ” أمدياز احماد الريح” في إطار إقامة الشعراء الثالثة التي نظمها المعهد سنة 2012، ويضم نبذة عن حياة الشاعر وأربع عشرة قصيدة من منتخبات قصائده.
– عرّف به الباحث أحمد عصيد في كتابه “إماريرن” مشاهير شعراء أحواش في القرن العشرين. المعهد الملكي، ط1/ 2011.
– اعتبره الباحث إبراهيم أوبلا من الشعراء المخضرمين في كتابه ” ءاماركَ ن ؤسايس” الصادر سنة 2012.
– ذكره محمد مستاوي في كتابه “الهجرة والاغتراب في الشعر الأمازيغي” للكاتب الصادر سنة 2011. وفي كتابه “الوحدة الترابية في الشعر المغربي الأمازيغي”، ط1/ 2014.
– خصص له الباحث سعيد جليل ترجمة مفصلة في كتابه “دراسات في التراث الشعري والغنائي الأمازيغي”، مطبعة بلال، فاس. ط1/ 2022.
– نشر سعيد جليل مقالة عنه تحت عنوان “هكذا أصبح أحمد أوبلعيد عميدا شعراء فن أجماكْ”، جريدة العلم، العدد 25132، الأربعاء 27 أكتوبر 2021.
– له ديوان شعر قيد الطبع من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

بقلم الأستاذ سعيد جليل

سعيد جليلAuthor posts

Avatar for سعيد جليل

باحث مغربي، متخصص في الفلسفة ومهتم بالسوسيولوجيا وقضاياها. إلى جانب اهتمامه بالتراث والثقافة الأمازيغية. له العديد من الأبحاث والمشاركات العلمية.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *