شمعة أسايس امحمد أكَرّام شفاه الله

41

شمعة أسايس، امحمد أݣرام شفاه الله. 

حسن اهضار

يستوقفنا الخجل ونحن نحاول أن نكتب عن شاعر فرض تقديره على من يتذوق شعر أسايس ويتابعه بحس نقدي وذوق فني معتبر، ومبعث الخجل هذا اعتباران؛ أحدهما الإحساس بعدم القدرة على إيفائه حقَّه اللائق به، الثاني أننا نتحدث عن شاعر أقعده المرض –شفاه الله وعفا عنا وعنه- فأعرض عنه كثير ممن ظنهم أصدقاء، وكثير ممن حضر أفراحهم، ومثلهم ممن حاورهم ورفع معنوياتهم. نرجو أن يشمله عفو الله ويخفف ألمه. وقد شكا معاناته لله قائلا:

“هان نّْسمامّي ف ربي سّْنّْ مايّييَاغْن

ئغ ئيرا أيْعفو، هانّْ ئيطّْف ئسافارن

ؤور ئحتاجّا س أدّْ ئصْرف ئصمسارن

ؤور ئحتاجّا ماداس آكّان إفاسن.

أمارݣ ئيشقّا، ݣان آسكْرف مقّورن

ولايني ربي ݣان آحنين مقّورن

أر ئيتّْداوا تيدْ مقّورنين، إيقّورن”

 ويتميز امحمد أݣرام -وصديقه عبد الكبير شوهاد  رحمه الله- أنهما أوفياء للفن لا يتخلفون عمن دعاهم أيا كان مستواه، وليالي (المعروف إبركاك) بأݣرسيف خير شاهد. 

ونتجاوز الخجل بأن غاية هذه المحاولة هي التذكير بمقام هذا الشاعر بيننا، ومقام شعره بين غيره، وأن نتوجه لله الشافي العافي بقلوب خاشعة راجين منه سبحانه أن يشفيه ويعفو عنه. كما نتوجه لذوي القلوب الرحيمة بزيارته والإحسان إليه.

  • أصله ونسبه: ينتمي الشاعر امحمد بن الحسين أمولود أݣرام  للأسرة اليعقوبية بتاݣموت. 

استقرت أسرته بقبيلة إداوزكري التابعة إداريا لتارودانت، المجاورة لإبركاك وإسافن التابعتان لطاطا. فهو ابن إداوزكري وشاعرها.

  • نشأته الشعرية:  نشأ امحمد في فضاء يشكل الفن فيه فسحة وسمرا، ويرقّي الشعر 

أهله علياء وقمرا، فنظم أسايس لإداوزكري –وأغلب القبائل المجاورة لها- أنسٌ ونَفائس وعبق وإمتاع ومؤانسة. ولم تكن ليالي إداوزكري –إلى الألفية الثالثة- أقل شأنا من جيرانهم إبركاك، فكلاهما قبيلتان استحوذ فن أسايس بأحواش الرجال والنساء معا عليهما. ما جعل ذوق وخيال وموهبة كثير من أهله تنفجر وتنمو. 

في هذه البيئة نشأ امحمد أݣرام وترعرع، وبان نبوغ جودة الشعر في صباه كما يشهد بذلك درره التي وصلتنا، وبعض النقاد الجادين ممن يعرفه.

  • محاوراته الشعرية: حاور امحمد أݣرام الشاعر المشاكس عثمان أزوليض -1997-، كما 

حاور شعراء آخرين منهم: محمد القادري، محمد تريسيان، مولاي محمد أساكني إبركاك وعبد الكبير شوهاد رحمهما الله، وعابد أوطاطا، واليزيد وأحمد عصيد وغيرهم.. وقد اختار امحمد أݣرام وعبد الكبير شوهاد أسلوب الحاج علي بيضني والحاج الحبيب ݣويميتك رحمهما الله؛ وهو عدم الحرج في محاورة المتعلمين؛ بل الأخذ بيدهم نحو فضاء أسايس وصقل الموهبة، مع الطموح للقاء الكبار ليحلو السمر ويعلو القول لعلياء الرمز وسجال العمالقة..

 وللشاعر اݣرام تسجيلات مع محمد تريسيان. نرجو ممن يتوفر عليها أن ينشرها مع الحرص على التسجيل الذي يحافظ على جودة الصوت، وذاك أمر يسير في عصر التقنية هذا.

كما شارك مبكرا مع فرقة أحواش إداوزكري، ويتميز أحواش رجال إداوزكري بنمط أهنقار المنتشر بضواحي طاطا. ومن تربّى في فضاء أهنقار وألحانه (لارياح) العميقة سيسهل عليه مسايرة ألحان سوس، كما شارك مع فرقة تاݣموت العريقة، وشباب آيت علي التي تنشط في ضواحي تافراوات (أݣرسيف، أملن، أمانوز، دّوسدرم، أفرني، آيت عبلا، إبركاك، وغيرها..). وهنا سيكتمل بَدْرُه باللقاء مع عندليب أسايس عبد الكبير شوهاد رحمه الله. 

  • امحمد أݣرام وعبد الكبير شوهاد: التقى هذا الثنائي الفريد في شعره ونبل خلقه، المبكي 

بابتلائه (عبد الكبير توفي في عز العمر والعطاء رحمه الله، وامحمد أقعده المرض شفاه الله)؛ التقى أواخر تسعينات القرن الماضي وجزءا من العقد الأول للألفية الثالثة –علما أن عبد الكبير توفي 2006- وكانت لهما جولات وأسمار فنية شعرية رائعة بكل من أݣرسيف وأفرني وتيتكي وتومليلين وإبركاك وأملن وغيرها..

يتميز نظمهما بخصائص فنية راقية منها: جودة الشعر، وحبكة النظم وسلامته، والألحان العذبة التي أبدعوا كثيرا منها، والصوت الشجي الذي يطرب السامع ويهيج أشواقه ومواجده، مع الدعابة المضحكة، والمزحة المؤنسة،  والمعنى الأصيل الذي يحسن المزاوجة بين الصور الشعرية والألفاظ الأصيلة المعبرة؛ ما يمنح شعرهما مقاما فنيا رفيعا، ونموذجا تجديديا فريدا، لكنها –حسب ظني- محاولة توقفت مع أصحابها.. 

وقد امتدت جذور القول لديهما إلى نثر بذور الورد والريحان(الحَبَق) في حدائق العشاق من الجنسين معا، فكان لموضوع الغزل والعشق والجمال حظه اللائق في شعرهما. وللقارئ أن يتأمل أحد أسمار أݣرسيف 1997 في قناة ilmaten idaouzkri:
(شاهد الفيديو المرفق أسفله)

مع التنبيه إلى خلوّ اللقاء من مكبر الصوت الذي يساعد الشاعر في إيصال صوته ورسالته والتأثير بها، لكن مستوى الجمهور وتميز الشعراء بصوتهم وروعة شعرهم تغلب على ذاك النقص التقني، وللغزل بأسلوب دعابي منشط حضور قوي في موضوع المحاورة.

  • أمسوس ن امحمد أݣرام: من مجالات تميّز امحمد أݣرام نمط أمسوس، وقد عرف 

الشاعر الباحث داود السوسي هذا النمط بأنه: ” تامْسّوست/ أمْسّوس: من فعل (إسُّوسْ) الدال على النَّفض، كنفض الغبار ونحوه، واستعيرت اللفظ لهذا النمط الشعري/ الغنائي لما فيه من عملية الإلقاء مع الالتقاط كما سيظهر في تعريفه، وهو مقطوعة شعرية قصيرة يتفنن الشاعر في إلقائها بألحان شجية، يختار لها موضوعا ووزنا مناسبا لنوع الرقصة، ولطبيعة الموضوع ومغزى تدخل الشاعر صاحب (أمسوس) إن جاءت بعد حوار. فيردد راقصوا أحواش آخر بيت وحده، أو مع لازمته إن كانت له لازمة.. وهي موجودة كذلك في أحواش الخاص بالنساء، غير أنهن لا يرددن آخر بيت فقط، يل ينسجن على منواله ردّهن على مُلقِيها بالتَّرحاب أو بما يليق به وبالمقام.” من كتابه: (أسْقُّول في الشعر الأمازيغي بسوس وعروضه، داود السوسي. 12 بتصرف.

وأزعم أن مستوى امحمد أݣرام وعبد الكبير شوهاد في مجال أمسوس لم يصله غيرهما، فقد تربّعا على عرشه بالاعتبارات الشعرية والفنية للشعر الأمازيغي وليس بتميز الصوت فقط، فعبد الكبير في الدرجة الأولى، يليه امحمد أݣرام، مع الإشارة إلى تواجد ثلة بعدهما تهتم بصقل موهبتها في هذا المجال، أشرنا سابقا للهاشم آيت وحمان، والقائمة طويلة.

يبذل امحمد أݣرام جهدا معتبرا في صياغة مقطوعته وتحسينها؛ لتكون مقطوعة شعرية بتصوير فني، ومحسنات بيانية وبديعية، مع بصمته التي تصنفه ضمن “السهل الممتنع” ولروعة الأداء تأثير على تلقي باقة الورد المفعمة بالجمال والوجد.. من نماذجه:

“ردّاخ آدرخ إخفينو، سماقْلغ إيضارني

أرْسْرسن تّيدوخ س لْحيلت، آدور نْباسلي

هان آياݣورّام نرا انْسْمد الغرضنك

أولا لْفْرْقا أد دْ نْتّْموت، آرتنْت سّْمْغورح

لاجدود آديفلن تيدّوكلا نݣريديون

ئغ را نّْتّْمون إلْخير إشوا يادّا ݣينخ

أشكو ونّادّْ إعشر يان ݣين منيدنس

ئخْشْن ݣيسْ أتّْ ئيفْل، أولا آد ݣين ضِّيض نس”

والمقطوعة تستفتح بإعلان التواضع وخفض الجناح إعلاء للمحبة والوداد، وتنحاز للقواسم المشتركة للحفاظ على المودة بين الأتراب؛ وشعره من هذا النمط؛ فهو من الذين يتهربون عن السجال القدحي ويتبرؤون منه؛ ما يعني وعيه بقوة الشعر وسعة حياضه، وامتداد أفق حدائقه، وهذا النمط هو الذي يرقي ذوق الجمهور ويحقق الإمتاع في قوالب الجمال لا السجال القدحي البئيس.

ولنسمع لجوابه حين تمت مشاكسته بسجال قدحي يقول:

“هانّْ أسي احمد أورّيخ العيب نْتْركت

ماش ألّيغ تْنّيت: باسْلْن إيݣرّامن

أراك نْتجاواب حاوْلْغ إيزَوارْن

ماشّان لْعْداواتْ ؤور جّو ݣي لِّينْت

ؤوريّيد ييوي بلا لْهنا د لْخاطر

وِلّيانغ ئران كاف نْبيد نْمرّْت

وِلّيانغ ئران كاف نْمّاغ نمرّْت

….”

هنا يتبرأ الشاعر من السجال القدحي، ويبرئ ذمته –بلغة الشعر طبعا- على أنه جُرّ إليه دفاعا عن النفس، ويطلق زفرة مفادها أنه إنما صبر في مجال أسايس وفاء لأحبته، وهي زفرة تتضمن الآهات التي  تحيط بفؤاده، آهات تدمي وهموم تضني، صوّرها أبو الطيب يوما بقوله:

“رماني الدهر بالأرزاء حتى .. فؤادي في غِشاء من نِبال

فصرت إذا أصابتني سهام .. تَكَسّرت النّصال على النصال

وجوابه ذاك شبيه بمرافعة شعرية في قالب رمزي رفيه لعبد الكبير شوهاد حين قال:

“نْغال إس رانّْكّْرْزْ آنحْيّْل تاوُّولّوت

إميل ئدْ باب ن تازيت كاس نْتْنموقور،

أهان آسغار ن تازيت أورات نسّوسوس”

فقد شبه الحوار المنتج بالحرث قائلا: ظننت أننا سنحرث ما يفي فهرولت حاملا محراثي، فإذا بي أصادف أصل أو أشجار الخصام؛ فتبرأ بأنه لن يجني الخصام ولن يكون لأهله عونا..

نختم بخير ما افتتحنا به وهو: الالتجاء لربنا الشافي العافي أن يشفي امحمد أݣرام ويعفو عنه إنه العفو الرحيم. ونشكر القائمين على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الالتفاتة التكريمية النبيلة التي شرفوه بها السنة الماضية، ونرجو من ذوي القلوب الرحيمة أن يلتفتوا إليه ولكل من يعاني في صمت، فأهل سوس والمغاربة عموما علمهم الإسلام أن لا يشكوا همومهم وآهاتهم إلا لله العزيز الرحيم. وما الابتلاء بالمرض والفتن إلا ابتلاء للأصحاء والأغنياء هل سيحسنون فيما ءاتاهم الله ويرفقوا بأخوانهم أم سيبخلوا ويستكبروا.

فيديو مرفق

حسن أهضّارمؤلف

Avatar for حسن أهضّار

خريج التعليم العتيق، باحث في سلك الدكتوراه بكلية الشريعة بجامعة ابن زهر. مهتم بالشعر الأمازيغي، وبالفكر الإسلامي والفلسفي.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *