ضوابط العروض السّوسي...المقتطف 4 من كتاب أسقول..في الشعر الأمازيغي ب"سوس" وعروضه
إن ضوابط الشعر السوسي مجتمعة فيما يُسمى ب “تالالايت” فهي الركيزة التي تُبنى عليها القصيدة السوسية، والمعيار الذي يجب أن تنضبط له الأبيات المكونة للنص الشعري. ولا أدل على أهميتها ومركزيتها مما تتبوّؤه من مكانةٍ في ميادين ” أسايس”، إذ بها يبدأ كل شاعر محدِّدا الوزن المختار للمحاورة أو لوصلة “تامسّوسّت”. كما نجدها بنفس الأهمية في الشِّعر الغنائي، فهي حاضرة بقوة في فن تيرويسا وعند المجموعات الغنائية عامة. وهي بيت شعري خال من الدلالة (بيت فارغ بتعبير حسن جواد)، أو لنقل أنها متتاليات من المقاطع العروضية التي من ترتيبها على نحو ما، تتشكل الأوزان الشِّعرية كلها. فهي المنوال الذي تنسج عليه الأشعار المختلفة عن طريق ما نسميه ب «الملاءمة”، ونقصد بها بناء النّص مقطعياً بالمطابقة مع مقطعية الوزن.
وإذا كان إذن أمر تالالايت على ما ذكرنا بالنسبة لكلٍّ من شعر أسايس والشّعر الغنائي، فإنه بدخول الشعر السوسي مرحلة التدوين، بدأ الاستغناء عن ذكرها تدريجياً مع حضورها كقالب مؤطِّر في القصائد الموزونة طبعاً، وهذا أمر طبيعي، إذ أن مرحلة الكتابة تستلزم الاهتمام بالنَّصِّ دون إظهار هذه القوالب وإبدائها بشكل مكتوب، فهي في نهاية المطاف معيار وليست من صميم النّصِّ الشعري.
ورغم هذا الحضور الأصيل لها في أذهان الشعراء وبداهة الانضباط لها، فإن دراستها واستثمار نتائج ذلك في استنباط صيغ الأوزان المختلفة أتى متأخرا، ويرجع فيه الفضل للدراسة القيمة التي قدمها حسن جواد في هذا الإطار. فكان أن عدّ أكثر من مئة وزن (ذكر 130 وزناً مع اعتبار بعض الإشباعات أوزانا مستقلّة وسنوضح هذا الأمر لاحقا ضمن دراسة المتغيرات)، وفصّل في تركيباتها، وبيّن بذلك (وإن لم يُصَرِّح به) خصوبة العروض الأمازيغي وقابليته لخلق أوزان جديدة لا حصر لها.
بنية تالالايت واستثمار المقطعية الصوتية:
تالالايت إذن هي مقاطع عروضية تضبط الوزن بتواليها بشكل معين، فيكون لكلّ وزن صيغته الخاصَّة به، وعلى منوالها تُصاغ أبيات النصّ الشعري. وهذه المقاطع العروضية مبنية على أنواع المقاطع الصّوتيّة التي سبق ذكرها، فنحصل بذلك على صيغها التالية: la ، da، lay، day، lal، lad . ويضاف إليها مقطعان ثقيلان بنواة مركَّبة[1] layl و dayl ، وقد سبق أن أشرنا أن هذا النّوع من النوى لا يُعتَدُّ به في التقطيع الصوتي الخاص ب “تاشلحيت” عكس اللغات الأخرى كالإنجليزية و الفرنسية اللتان تعتمدان صدرا مركبا، لكنّنا نعتمدهما كمقطعين عروضيين (layl و dayl) لا كمقطعين صوتيين، وقد اعتمدهما حسن جواد واختلف معه فيهما محمد المدلاوي الذي فكك كلاً منهما إلى مقطع ثقيل ومقطع خفيف مشبع بحركة زائدة (i) فتصير الصيغتان lay + li و day+ li، وهذا الذي اعتمده إبراهيم أوبلّا أيضا.
والطريقتان معا قد تُعتَمدان دون حرج لأن بنية الأوزان وخصائصها لا تتأثر بذلك في شيئ. ونرى أن أيسر الطرق و أوضحها هي التي خلُص إليها حسن جواد باعتماد ثمانية صيغ ل”تالالايت” منها تتكوّن كلّ الأوزان الشعرية وهي بمثابة التفاعيل عند العرب وهي la ، da، lay، day، lal، lad ثم layl و dayl .
ونصنِّف هذه المقاطع العروضية إلى ثلاثة أصناف؛ مقاطع خفيفة ومقاطع ثقيلة ثم مقاطع ثقيلة مركَّبة، وفي كل صنف نجد مقاطع حاملة للوتد (التي تبتدأ أو تنتهي بحرف d) وأُخرى سليمة غير حاملة له.
المقاطع العروضية الخفيفة:
ونرمز لها في تالالايت ب la و da وتشمل المقاطع الصوتية الخفيفة التالية: V و C التي لا يُؤتى بها إلّا في بداية البيت الشعري، ثم المقاطع الصوتية CV و CC التي قد تأتي في بداية وأواسط البيت ولا تأتي أبدا كآخر مقطع فيه.
المقاطع العروضية الثقيلة:
ونرمز لها في تالالايت ب lay التي تأتي في بداية البيت وأواسطه فقط و day التي لا تأتي إلّا في أواسط البيت الشعري إذ لا يُبتَدأ أبدا بمقطع حامل للوتد. ثم الصيغتان lal، lad اللتان تأتيان حصراً في آخر البيت.
وهذه الصيغ تشمل المقطعين VCو CC اللذان يأتيان في بداية البيت فقط (هما مقابلان ل lay الإبتدائية) والمقطعين CVC و CCC اللذان قد يأتيان في كل موضع في البيت.
المقاطع العروضية المركَّبة:
وهي التي فصّلنا في ذكرها أعلاه ولا تُبنى على المقاطع الصوتية المعلومة إلّا باعتبار النواة المركّبة أو باعتبار التفكيك كما سبق ذكره. ونرمز لها ب layl و dayl، وهي مقاطع ختامية ك lal، lad.
ونلخِّص ما ذكرناه في الجدول أسفله، والذي يوضح أيضا بنية البيت الشعري السوسي عامّة، وسنفرد لخاصية الوتد – الذي أتينا على ذكره في هذه الفقرة دون أن نبين مفهومه – فقرة خاصّة فيما يأتي.
|
المقطع الأولي |
المقاطع الوسطية |
المقطع الختامي
| ||
كلها سليمة | سليمة | وتدية | سليمة | وتدية | |
المقاطع الخفيفة | La =(v-c-cv-cc) | La =(cv-cc) | da =(cv-cc) | – | – |
المقاطع الثقيلة | Lay =(vc-cc-cvc-ccc) | Lay =(cvc-ccc) | day =(cvc-ccc) | Lal =(cvc-ccc) | Lad =(cvc-ccc) |
المقاطع المركّبة | – | – | – | layl | dayl |
حيث: V صائت و C صامت و C صامت في منزلة النواة المقطعية.
وفيما يلي تطبيق على بيت شعري ل “صدقي أزايكو” نستثمر فيه ما سبق ذكره، لاستخراج وزنه:
يقول أزايكو:
ssnɣ nit asafar inu macc ur at zerraɣ
الكتابة العروضية
Ssnɣnitasafarinumaššuratẓṛṛaɣ
التقطيع الصوتي
Ssnɣ-ni-ta-sa-fa-ri -nu-maš-šu-rat -ẓṛ -ṛaɣ
المقابلة العروضية
Lay -la -la -la-la -la -la -lay – la -lay -da- lal
هذا الوزن، كما سنرى في دراسة صيغ الأوزان لاحقا، هو المعروف بوزن سيدي حمّو.
وهذه طريقة استنباط صيغ الأوزان من النصوص الشعرية الموزونة. نبدأها كما في المثال أعلاه، بإعادة كتابة الأبيات كتابة عروضية معتمدين على المنطوق لا على المكتوب، ثم تأتي مرحلة التقطيع الصوتي وفق صيغ المقاطع الصوتية المعلومة، ونختم هذه العملية بمقابلة كل مقطع صوتي مع نظيره من الصيغ العروضية، فنحصل بذلك على صيغة الوزن تامة. وهذه عملية عكسية لما يفعله الشاعر أثناء صياغته للنص الشعري، إذ يضع الوزن في ذهنه أولا ثم يلائم تعابيره مع صيغة العروض.
ونشير هنا أن مقابلة المقاطع العروضية مع المقاطع الصوتية للنص (لاستخراج الوزن)، أو العكس أي ملاءمة النص للعروض في مقاطعه (وهو فعل الشاعر)، لا يستقيم بدون مراعاة المقطع الوتدي الذي ترتكز عليه “تالالايت” وسنورد هنا بعض التفصيل في مفهومه.
ملاحظة:
إنّ العروض الأمازيغي السوسي لا يقبل توالي مقطعين ثقيلين إلّا في حالة الإشباع، والتي سيأتي فيها تفصيل أثناء دراسة متغيرات العروض.
خاصية الوتد ونظامه:
- خاصّية الوتد “أشاموش”:
يمتاز كل وزن شعري بمقطع عروضي فريد يكون حاملاً للوتد، تختلف طبيعته (خفيف أو ثقيل أو مركّب) وموضعه من وزن لآخر. ولا يوجد بين المقاطع العروضية الثمانية السالفة الذكر إلّا أربعة حاملة للوتد وهي: da، day، lad، dayl.
والذي يميز هذه الأوتاد عن غيرها من المقاطع العروضية أنّها تبدأ أو تنتهي بحرف d في صيغها. ويرمز هذا الأخير لمجموعة من الصوامت المجهورة، التي نسميها حروف الوتد وهي: b; d; ḍ; j; ĵ; z; ẓ; h; g; ɤ; ɛ والتي يلزم الشاعر الإتيان بها في نصّه بدل الحرف d في صيغة الوزن. ولا يأتي بها في بدايات المقاطع الصوتية ال “مابعد وتدية”[2].
وهذه الخاصّية من أهم مميزات نظام العروض الأمازيغي (السوسي)، لذا نجد رواد تيرويسا يطلقون عليه مصطلح “تيسنت ن واوال” فهو للوزن بمثابة الملح للطعام، وذكره إبراهيم أوبلا في “تيمنضوين” ب “عمود الحرف الثقيل”، وحسن جواد ب”syllabe bémolisée”، وهو “flatted syllabe” عند ديل والمدلاوي، وقد اقترح الأستاذ الطيب أمڭرود مصطلح “أشاموش” ونراه صائبا في اقتراحه واعتمدناه كبديل ل “تيسنت ن واوال”.
- نظام الوتد:
إذا ما اعتمدنا تصنيف حسن جواد للصوامت الأمازيغية كتبناها على الشكل:
b-d-g-z-ẓ-h-m-n-l-r-ṛ-w-y-ɣ-ɛ-f-t-ṭ-s-ṣ- š-j-ĵ-k-x-q-ḥ-ḍ = X
ومنها ستة مجهورة ثقيلة (Basses )
b-d-g-z-h-j = B
وثلاثة مجهورة مفخمة (Modulables )
ḍ-ẓ-ĵ =M
ثم المحايدة (Neutres)
m-n-l-r-ṛ-w-y-ɣ-ɛ-f-t-ṭ-s-ṣ-š-j-ĵ-k-x-q-ḥ = N
وبالتالي فإن الوتد d في المقاطع العروضية الوتدية (da، day، lad، dayl)، لا يُعَوَّض إلّا بصوامت المجموعة B وM وهي تسعة، على ألّا تأتي الستة المجهورة الثقيلة (المجموعة B) في بدايات المقاطع الصوتية مابعد الوتدية.
ونسجل اختلافا بسيطا عمّا جاء به حسن جواد، حيث غفل عن حرفين وَتَدِيَيْن لم يذكرهما وعدّهما من الحروف المحايدة والأمر غير ذلك في الواقع، وهما حرفي ɛ وɤ. هذين الصّامتين لهما وضع خاص، فهما وإن كانا وتديين فإن حضورهما في بدايات المقاطع ما بعد الوتدية أمر جائز، وشأنهما في ذلك شأن الصوامت المجهورة المفخمة (المجموعة M عند جواد)، على عكس الصوامت الوتدية الأُخرى (B). وقد يكون سهوا من ح.جواد عدم ذكر هذين الوتدين، أو أنه لم يقف على قصائد كثيرة تمكّنه من استنباط شامل لكل الصوامت الوتدية المعتمَدة، وهو في ذلك معذور، إذ أنه لم يمارس قرض الشعر حتّى يكون مُلِمّاً بكل تفاصيله، وصلته به صلة مستمع مستمتع وباحث مُجدّ. وأمّا تصنيفه لهذين الصامتين في مجموعة الصوامت المحايدة، فلا نجد له مبرّراً وقد صَنّفهما غيره في مجموعة الصوامت المجهورة، كما في الجدول الفونولوجي[3] للصوامت الأمازيغية. (تجدون صورة هذا الجدول أسفل الإحالات)
وأمثلة اعتماد هذين الصّامتين في موضع الوتد كثيرة عند رواد الشِّعر بكل أصنافه، نذكر منها في سبيل الإشارة لا الإحاطة ما يلي:
حرف ɤ:
من كتاب “كرونولوجيا الشعر الأمازيغي” لعبد الله بونفور واخرين:
la la lay la la la day la la la la lal
alili iḥrran iɣ imɣi ɣ lmlk n yan
att issu igas amazir f lɛar n w-akal
….
a allah-t u allah mskin a aɣanim
ar ittiɣzif alliɣ iṛmi iknu s akal
وفي قصيدة “إقرا” للحاج بلعيد في وزن آخر نقرأ:
la lay la la la da lay la la layl
atarwa lljwad inu mšiwirayt
a sllmat-aɣ iɣnsawl awal inw
…nmyar ɣ ṛbbi ad d iqqil tammara nw
ur nsmammy alliɣ iyi thukka luqt
وعند علي شوهاد في قصيدة ” مان سول إغامان” في وزن “أحوزي”
ur ig umzil kra ɣ ittyawskar lxir
illiɣ iskr taglzimt iskr lmnšar
ibbi aɣ kullu tagant ur aɣ ifl man
a mqqard asklu ɣ nttsnfu kiɣ rmiɣ
حرف ɛ:
بالنسبة لهذا الصامت فهو في الحقيقة نادر الإستعمال في موضع الوتد بالمقارنة مع الصوامت المجهورة الأخرى، ويأتي غالبا في الكلمات المستعارة من اللغة العربية. وأكثر الأوزان التي تعتمده تلك التي تنتهي صيغتها ب lad، ولا ينفي ذلك ثبوت استعماله كوتد لغيرها من الأوزان.
من قصيدة تارودانت للحاج بلعيد:
La lay la la la la la la lay la la la da lal
uznɣ yat tbratt lwijab nns ira a-yid urrin
s w-alf n ssalam u myyat alf n w-alliɛawnk
وفي مطوّلة لنفس الشاعر بعنوان “تيوتمين” نجد:
La lay la la la lay la la la la lad
mani-ɣ ra ibḍu d lḥṛam lqqum n ssɛtad
ufand lbaṛaka tkmml yiliḥ lqqnɛ
utin isbbabn ɣwwid iran a issaɣ
yagwr lɣwšš nniyt ašku iggut lxidaɛ
wa tawtmt lli-f iṛḍa ṛbbi hann ššṛɛ
ur irgm lḥṛaṛat ula ra ttnt iɛib
illa lɛib ɣ tann iɛṣan ṛbbi d ušafiɛ
وفي قصيدة “الرباب”:
la lay la la la da lay la la layl
aɣ ismaln ɣ lɛin is kullu qqurn
aha lɣwnbaz iddulla ukan ifr nns
واستعمله علي شوهاد أيضا في قصائد مختلفة، ومنها:
في قصيدة “أسلم” المنظومة في وزن “أحوزي”:
aytmas willi-d d iɛiš will-as issutln
a ggis igwmrn azmz iɣt ufan a ttn ššin
وفي قصيدة “تازڭموت” من نفس الوزن:
nssutld kullu s lɛaqql urnn akkw anniɣ
mani ɣ ill w-akal iɣusn ur ikki ššiṭan
وفي قصيدة “ڭار ڭانڭا” المنظومة في وزن “سيدي حمّو”:
iɣ akkw laḥ bla ɣ iwaliwn annsawl ɛlaxir
ملاحظات:
1)- لقاعدة الوتد هذه حالة خاصّة وهي: إذا تعذر الإتيان بحرف مجهور في موضع الوتد، جاز أن نأتي به في آخر المقطع ما قبل الوتد، أي في نواة المقطع -السابق للوتد – إذا كان خفيفاً أو في ذيله إذا كان ثقيلاً.
كما في شعر سيدي حمّو:
illa uzmz ɣ yakka yan illa uzmz ann ɣ iqqway
illa uzmz ɣ yuf umddakwl n f ṛbbi gwmatun.
(la) lay la la la la la la lay la lay da lal
i llaw zm zɣ ya kka ya ni llaw zm zann ɣi qqay
i llaw zm zɣ yu fu md da kln fr bigw ma tun
فالمقطع الوتدي في صيغة هذا الوزن هو المقطع ما قبل الأخير (المقطع “da”)، ونرى في البيت الأول أن الشاعر التزم به على أكمل وجه، إذ أتى مكانَه بالمقطع الصوتي “ɤi” مبتدءاً بصامت وتدي صحيح “ɤ”، بينما أتى في البيت الثاني بالمقطع “ma” الذي يبتدئ بصامت غير وتدي كمقابل ل ” da “، ولا يستقيم الوزن بذلك لو لم يكن ذيل المقطع الذي يسبقه صامتا وتديا gw.
2)- إذا اعتبرنا دور الوتد كقمّة صوتية للبيت الشعري، فإن حضور الصوامت المجهورة (باستثناء ɛ وɤ اللذين نعتبرهما أخفّ الحروف الوتدية) في بدايات المقاطع الصّوتية ما بعد الوتد، نقصٌ في جودة البيت عروضياً.
واستثنينا الصامتين الوتديين ɛ وɤ لخفتهما فلا يضير أن يأتيا بعد الوتد في أي موضع كيفما كان. وأما الصوامت المجهورة المفخمة ” ḍ وĵ وẓ ” فإن حضورها بعد الوتد في بدايات المقاطع، ثابت في الشعر السوسي غير أنه نادر جدّا، واجتناب ذلك أولى، فقول محمد ألبنسير: “amr baqšiš iɤ idda ar kiɤ-tninn iḍuf”، كلام موزون ، غير أنّ المقطع “ḍuf” الذي أتى بعد المقطع الوتدي “dar” يُفقد البيتَ بعض موسيقيته، ويكفي تعويض كلمة “iḍuf” ب “annin” حتى يصبح البيت أجود من ناحية العروض.
أما فيما يخصّ الصوامت الوتدية الأخرى فإن حضورها في بدايات المقاطع ما بعد الوتدية أمر مرفوض في العروض السوسي، والشعر الذي تحضر فيه على هذا النحو رديء وهو أمر المبتدئين المتعلّمين.
- تفكيك التضعيف:
لقد أشار إبراهيم أوبلا في “تيمنضوين” ص48 إلى أن التضعيف “لا يُعتَدّ به أثناء التقطيع العروضي، وأنّ الحرف المضعّف يُعامل معاملة الحرف المخفف”، واستغنى عن فكّ التّضعيف بوضع أسهم كعلامة على إشباع حركة الحرف الصامت لتشكيل مقاطع صوتية صحيحة، إلّا أننا لا نرى مسوغا لذلك، فالتضعيف يُفَكّك في حالات معينة ويُترَك في غيرها، وهذا ما ذهب إليه حسن جواد وكذلك المدلاوي، ويمكن إدراك ذلك بالسليقة والأذن الموسيقية عند من صقل موهبة السماع والتذوق الفني وعند من خبر قرض الشّعر وعلم أسراره.
ولقد حاولت استنباط قانون أو نظام لهذا الأمر من خلال دراسة الحالات الممكنة انطلاقاً من نصوص شعرية متنوعة، فاهتديت إلى أنّ موضع الحرف المضعَّف في الكتابة العروضية هو الذي يُمكّننا من معرفة إمكانية فكّه أو تركه كما هو، وهذا ما سنفصّله معتمدين بعض الأمثلة للتوضيح.
إنّ ما نعتمده في هذه المسألة هو النّظر إلى الحرف ما قبل المضَعَّف والذي بعده، فطبيعتهما (صامت أو صائت) ودورهما (صدر، نواة أو ذيل) هو ما يهدينا إلى معاملة المُضَعَّف كحرف مُخفَّف فيُترك أو يعامل كما هو فيُفَكّك، وهكذا نكون قد اعتمدنا بنية مقطعية سليمة.
فإذا رمزنا للصائت ب V، وللصامت ب C ثم للصامت النواة ب C حصلنا على تسع توليفات ممكنة لموضع الحرف المضعَّف، وتُصَنَّف إلى ثلاث حالات وهي:
1- إذا جاء الحرف المضعَّف بين نواتين (V-V ؛ C-V؛ V-C؛ C–C)، وفي هذه الحالة لا يُفَكُّ المُضَعَّف ويُلحَق بالنواة التي تليه فيكون لها صدراً.
V-V كما جاء في شعر أمنتاڭ:
aḥḥ aḥḥ urd a amaḍun kyyi katt innan
innat ugḍiḍ ɣ trgwa innat ušaqqur
a-ḥḥa-ḥḥur-da-ya-ma-ḍun-ki-yyi-ka-ttin-nnan
i-nna-tug-ḍi-ḍɣ-tr-gwa-yn-na-tu-ša-qqur
C-V كما عند عمر برغوث:
ar nffal tawwuri da nsala fllatun
ar nggwan ɣ uzal nḍuf tillas n w-akal
a-rn-ffal-ta-wwu-ri-dan-sa-la-fl-latun
a-rn-ggan-ɣu-za-ln-ḍuf-ti-lla-sn-wa-kal
V-C كما في شعر محمد بودرع:
a ṭṭlba n sidi ḥmza ula kiy a qalun
ula warš a id sidi is illa lma yyufan
a yyid ikkis ɣ tuzzumt n wul asnnan
a-ṭṭl-ban-si-di-ḥm-zaw-la-ki-yya-qa-lun
u-la-war-ša-yd-si-diy-si-lla-ma-yyu-fan
C–C كما جاء في شعر محمد ألبنسير:
iɣ nkšm tigmmi nsala taẓallit
rad as daɣ nnan mddn ur njjnjm yat.
i-ɣnk-šm-ti-gm-min-sa-la-ta-ẓa-llit
Ra-das-da-ɣn-na-nmdd-nu-rn-jjn-jm-yat
2- إذا جاء بعده صامت (V-C؛ C-C؛ C-C )، وفي هذه الحالة لا يُفَكّ الحرف المضعف أيضا، ويُلحق بما قبله ليكون نواة للمقطع أو ذيلا أو كليهما.
V-C كما في بيت احمد أُوبلا:
a dakkw ur tnnit tnjmt srs a asmṣaṛ
datt ittṣum kra gnt tin kra yawi-tt
a-da-kkur-tn-ni-ttn-jmt-sr-sa-ya-sm-ṣaṛ
da-ttitt-ṣu-mk-ra-gnt-ti-nk-ra-ya-witt
C-C كما في الشعر المنسوب لسيدي حمّو:
njrrb akkw iḍuḍan n tasa aɣd llan d ufus
yan mi ur takkat ur iɛwwl ad didk imun
n-jrr-ba-kkwi-ḍu-ḍa-nn-ta-saɣ-dl-lan-du-fus
yan-mi-wr-ta-kka-tu-ri-ɛww-la-ddid-ki-mun
C-C كالبيت المنسوب لسيدي حمو:
iɣ iṣbṛ yan iqqand man ajmil asd iffal
iɣ iṣbṛ yan i gar bnadm ddnub add ruran
i-ɣiṣ-bṛ-ya-ni-ga-rb-na-dmdd-nu-badd-ru-ran
3- إذا جاء قبله حرف صامت و جاءت بعده نواة ( C-V؛ C-C)، وفي هذه الحالة وحدها يُفكّ الحرف المضعف إلى صامتين يكون أوّلهما نواة للصامت قبله، بينما يكون الثاني صدراً للنواة التي تليه.
C-V كما في شعر أوبلا احمد:
a dakkw ur tnnit tnjmt srs a aṣyyaḍ
da ttaylal tfld asmammi ɣ ufus nk
a-da-kkwur-tn-ni-ttn-jmt-sr-sa-ya-ṣy-yaḍ
da-ttay-la-lt-fl-das-ma-mmi-ɣu-fu-snk
C-C كما في شعر عمر برغوث:
ur nli gwma ma yyid ittrarn tiṭṭ nnaɣ
ad dis nbḍu taguḍi n lmut ula ssmm ns
u-rn-ligw-ma-ma-yyi-ditt-ra-rn-ti-ṭṭn-naɣ
a-ddi-snb-ḍu-ta-gu-ḍill-mu-tu-la-sm-mns
هذه التعابير : “إغزان”، ” إسوشكاتّيد”، ” إساستوا أوال”، “أور إينّي يات”، “إبجر أوال” ، كلها أوصاف/أحكام غالبا ما نسمعها في مجالس الشعر الامازيغي بسوس، وهي تدخل ضمن ما يسمى بالنقد الانطباعي، وبها يروم قائلها تقييم الأشعار المسموعة ويبين مدى توفيق الشاعر في سبك قوله أو مدى فشله في ذلك، ويلاحظ القارئ أن كل هذه الأحكام تتخذ المعنى موضوعا لها دون الإشارة إلى المبنى والشكل.
ولا نجد من المصطلحات النقدية المهتمة بالشكل في شعر أسايس إلّا شيئا يسيرا، وأقصى ما يمكن أن تعبر عنه هو تأكيد احترام الوزن أو الخروج عنه، فنسمع: “إلّا لميزان” “إشحايس” ” يوفايس” “أور يوزن أوال” “ترزا” “تكوشطر”…. وهي كلها بعيدة عن التدقيق في تحديد مواطن الخلل في البناء الشعري أو مواطن قوته، وسنجد بعض التدقيق في هذا الأمر عند شعراء “تيرويسا” الذين وضعوا لنقد الإيقاع الشعري (الوزن) بعض المصطلحات الفريدة، غير أن ذلك كله غير كاف لتأسيس نقد متكامل للشعر الأمازيغي بالأمازيغية، ونحن في أمس الحاجة إلى الاهتمام بهذا الجانب، إذ أن الموضوعية في النقد تستلزم التدقيق القابل للتحقق منه، أي أن يُعبر عنه بمصطلحات محدّدة المعنى ومتوافق عليها، ولا يقوم ذلك إلّا بوضع تعريفات دقيقة لكلّ مفردة مفردة. وهذه دعوة لأهل الفن ودارسيه أن يُبادروا إلى وضع نسق نقدي متكامل مبني على مناهج علمية رصينة، متكلين في ذلك على قدرة الأمازيغية على ابداع مصطلحات وتعريفات واصفة لكل الظواهر في حقل الأدب عموما والشعر خاصّة.
وهذه نماذج من مصطلحات نقد الوزن عند الروايس والتي يتم بها تقييم النصوص الشعرية المختلفة:
أمسّوسْ = وار تيسنت = وار أشاموش: وهو البيت الشعري الموزون الخالي من الوتد، فوصف بذلك لتشبيهه بالأكلة التي لا ملح فيها، فهي وإن كانت نافعة، ينقصها المذاق الحسن.
ومثال ذلك رد ل يحيى بوقدير على أجماع في محاورة شعرية، يقول فيه:
A tusim nit lhmm urt akkw ẓṛiɣ
Ati lluḥ lmḥfuḍ ntta ayḥkmn
Wanna mi ɣwran ssaꜪd nns ad ẓṛan
Is ukan ajmmaꜪ ilkm lxwaḍ
فالبيت الثاني من هذه المقطوعة موزون مقطعيا، لكنه بلا وتد، ممّا يُخلّ بموسيقاه فلا يستحسن ذلك الذوق السليم.
La la lay la la la lay la da lal
A ti llu ḥl mḥ fu ḍn tta yḥ kmn
ويتضح من خلال التقطيع العروضي للبيت، أن الشاعر التزم بعدد المقاطع وطبيعتها وترتيبها، غير أن المقطع التاسع (yḥ) المقابل للمقطع da في تالالايت، لا يحمل أيّا من الحروف الوتدية، وتلك علّة في الوزن.
أبلاض: يوصف به البيت الشعري الذي يأتي فيه الوتد بعد موضعه الصحيح مخالفا بذلك قاعدة أساسية من قواعد العروض الجمالية، وقد يوصف به المقطع الصوتي الحامل لهذا الوتد المُعتلّ أيضا.
ومثال ذلك في نفس الأبيات السابقة للشاعر يحيى:
A tusim nit lhmm urt akkw ẓṛiɣ
Ati lluḥ lmḥfuḍ ntta ayḥkmn
Wanna mi ɣwran ssaꜪd nns ad ẓṛan
Is ukan ajmmaꜪ ilkm lxwaḍ
ومن خلال التقطيع العروضي للبيت الأخير يتبين الخلل، إذ لم يتمكّن الشاعر من الإتيان بحرف وتدي في المقطع التاسع، وجاء به في آخر البيت.
La la lay la la la lay la da lal
I su kan (a) jm ma Ꜫil km lx waḍ
على عكس العلّة السابقة (أمسّوس) حيث لا يأتي الشاعر بمقطع وتدي في موضعه الأصلي ولا بعده، فإنه في حالة (أبلاض) يأتي بحرف وتدي بعد موضع المقطع الوتدي الأصلي، سواء التزم بهذا الأخير أم لم يلتزم به.
أوال إضرن = وهو البيت الشعري الساقط عن الوزن وهو نوعان:
أوال إشحان =أورار إشحان=أمشحاو: وهو البيت الشعري الناقص في بنيته بمقطع أو أكثر أو حتى بجزء منه.
ومثاله:
Ullah ur sattiɣ lhmm ula sul uḥlɣ
Mknna ira ṛbbi gnt ukan limur[4]
ويظهر النقص في البيت الثاني كما يبين تقطيعه:
تقطيع البيت m-kn-nay-ra-rb-bi-gn-tu-kan-li-mur
وزنه la-la-lay-la-la-la-da-la-lay-la-lal
الوزن الصحيح la-la-lay-la-la-la-day-la-la-la-la-lal
تصحيح البيت m-kn-nay-ra-rb-bi-gin-tu-ka-ni-li-mur
فالبيت منظوم في وزن أحوزي المتكون من إثني عشر مقطعا منها مقطعين ثقيلين ووتد ثقيل، بينما هذا البيت المدروس متكون من أحد عشر مقطعا، بوتد خفيف (ناقص عن الأصلي). فهو ناقص بمقطع كامل وبجزء مقطع أيضا، إذ يفتقر المقطع الوتدي لذيله.
أوال يوفان = أورار يوفان: وهو البيت الشعري الذي زيد فيه مقطع أو أكثر، أو جزء من مقطع صوتي، عن صيغة الوزن.
ومثاله قول الشاعر عابد أوطاطا في محاورة له:
A ha yan w-awal n ssaht a lɣwšim
Lxdmt a ur illin……..[5]
Illa ma igan lmujaz igllin
mani ɣ yufa ttuḍif ula lxdmt
iɣwit-nt ubujadi ar-tn brrin
وهذا تقطيع البيت الرابع الذي زيد فيه حرف “u” أخلّ بالوزن، ومعه تقطيع البيت الأول السليم كشاهد. وهذه الزيادة وإن كانت طفيفة لا يستسيغها السامع السليم الذوق
a-ma-niɣ-yu-fa-ttu-ḍif-(u)-la-lx-dmt
a-ha-yan-wa-wa-ln-saḥ-( )-ta-lɣ-šim
وهذا مثال أخر من شعر يحيى بوقدير:
LꜪada iyrumiyn ad ak ɣint tmɣarin
Ur sul idl uqššab nns aḍaṛ ula afus
Tanna d iffɣn tagwld akyuḍ iɣ ar akal
Ma ssul ikwtin lqḍib d llḥaf att nit lsin[6]
وتتّضح الزيادة في البيت الأخير:
Ma -su-lik-ti-(n)-lq-ḍi-(b)-dll-ḥa-fa-ttn-(ni)-tl-sin
وهذا البيت مختلّ الوزن في مواضع كثيرة، فقد زيد فيه حرفي (b) و(n)، ثم زيد فيه مقطع صوتي كامل خفيف بعد الوتد. فصيغة الوزن الصحيحة تضمّ أربع مقاطع صوتية خفيفة متتالية بعد الوتد، و بيت “بوقدير” يضمّ خمسا.
إحالات.…………………………………………………….
[1] فضلنا استعمال النواة المركّبة بدل الصدر المركب المعروف في التقطيع الصوتي لبعض اللغات، وذلك لأن الحرف المقابل ل y في layl يكون ساكنا غير متحرك، وكأننا بذلك نعتبر المركب ay نواة للمقطع layl.
وهذا الأمر إجرائي فقط، الغرض منه تسهيل ضبط صيغ العروض، وتسهيل التعامل بها، ولا يضير أن نشير إلى ذلك حتى بمفهوم الذيل المركب.
[2] لا يجب أن تأتي الحروف الوتدية في بدايات المقاطع التي تلي الوتد، ويُستثنى من هذه القاعدة حرفي ɤ; ɛ اللذان نعتبرهما محايدين، إذ هما أخف الحروف الوتدية: وقد تُقبل الحروف الوتدية المفخمة أيضا غير أن اجتناب ذلك أرقى وأصفى.
وعليه فالشعر الذي لا تأتي فيه هذه الحروف الوتدية (باستثناء ɤ; ɛ) بعد المقطع الوتدي بتاتا، أنقى وأرقى موسيقيا من الذي تحضر فيه. والذي تحضر فيه في غير بدايات المقاطع ما بعد الوتدية، أصفى وأسلم من الذي تحضر فيه في بداياتها. ثم إن الذي تحضر فيه الحروف الوتدية المفخمة في أوائل المقاطع ما بعد الوتد أحسن من الذي تحضر فيه الحروف الوتدية غير المفخمة في أوائل المقاطع ما بعد الوتد.
[3] نحو الأمازيغية، ص14، ترجمة نورة الأزرق و رشيد لعبدلوي
[4] هذين البيتين أوردهما عبد الله بونفور وعامر أمزيان في كتابهما «anthologie de la poésie Berbère traditionnelle»، ص 8، وقد كُتبا هكذا:
Ullah, ur sattiɣ lhemm ula sul aḥelɣ
Mkenna ira rbbi gent ukan limur.
ونظن أن هذا الخطأ راجع إلى الحفظ الرديء للراوي أو إلى خطأ الناقل عنه.
[5] لم يتّضح الصوت في المقطع الذي يضم هذا البيت، فلم نتمكن من سماع آخره بوضوح.
[6] أحمد عصيد، كتاب اماريرن ، ص 323 إلى 325.
لا تعليق