في اليوم العالمي للأرض..عرض لقصيدة “أسلم” للشّاعر الحكيم علي شوهاد.
لم يبالغ المفكر المغربي مصطفى المرابط حين عنون محاضرة له ب “الأرض مريضة بالإنسان”؛ فبعد الثورة الصناعة بالغ الإنسان في السير على نهج قابيل بأنانية واستغلال جشع، والإعراض عن نهج هابيل بسواءه ولطفه وقناعته؛ فاستنزف الإنسان في حوالي ثلاثة قرون ما تم ادخاره والاحتفاظ به آلاف السنوات، وفي هذا المعنى يقول شاعرنا:
“أوسيند إغروبا اللحيق، أولا تالحيق.”
ولشدة الجشع والأنانية وعنف الإنسان تجاه أخيه الإنسان وأخته الطبيعة المسخَّرة له؛ لوّث ما لم تصل إليه يده، فما لم يقتله باستعماله قتله بسمه؛ وصّور شاعرنا هذا السلوك البشع أبلغ تصوير فقال:
“تان إفْلْت أوغرابو سفلاس إيفي سّمّ”
وليس من الصدفة أن يفكر العقل وكذا الخيال العلمي في البحث عن إمكانية وجود كوكب بديل للأرض، وهنا يحضر الفيلم السينمائي الخطير: Interstellar
قصيدة أَسْلْم للشاعر علي شوهاد، قصيدة عالمية عالية، أضفت عليها مجموعة أرشاش لمسحة فنية فريدة بسحر بانجو المطرب الحسين وخاش، ولمسات بقية الأعضاء الموهوبين.
ومن بواعث سحرها أنها زاوجت بين مواضيع راهنية عدة؛ بلمسة شعرية بديعة ملكت مقومات الشعر الأصيل.
فلها موضوعان مرمزيان هنا الظلم والتلويث. ومواضيع فرعية كالصيد الجائر، والحروب المدمرة، واستغلال أفريقيا وما يعرف بالعالم الثالث واستنزاف خيراته وغيرها..
– موضوعها الأول: الظلم والاستغلال البشع لمآسي وضعف الإنسان من طرف مرضى النفوس بالقهر والاستبداد؛ قال الشاعر:
“إمْنعا وْسلم أديعيش غ البر أولا اماني
أولا يكَنوان إيكايوارن سوتلناسِ
كويان ديناخ مْدين حْيْلن الحيلاتِ
مْديناسن إغروبا خ تيلاس نوامانِ
إيفض ن الشبايك حادانت أوكان إيماسانِ
……………………………..
أسْلم إسمامي فربينس آروكان ألان
تالّياسْنْ إيكَان الهم، تاليت إيسوحلن
آيتماس ويليد إعيش، وِلّاس إيسوتلن
أكَيت إكَمرن أزمز إيغتوفان آتْنْ شين.”
فلتصوير ما بالنفوس المقهورة من جِذوة ألم حارق، وحرقة ظلم ماحق؛ استعار الشاعر “أسلم/ الحوت أو السمك”، ليبين أن عالم الإنسان في أغلبه صار محكوما بقوانين عالم الأسماك والحيتان؛ وهو: البقاء للأقوى، والسلطة للأعلى. وما زاد الحوت الضعيف ألما أن ما به من ظلم مصدره إخوانه الذين شاركوه “بركة الطعام”، ورافقوه في حيّزه الجغرافي الذي كان يرجو منه سلاما. فلم يملك إلا أن يرفع شكواه للباري سبحانه؛ علّ الشكوى تطمئن القلب وتبرد جذوة الفؤاد.
وبما أن الشاعر والفنان الأصيل هو ثوري بطبعه لقول الحكيم علي عزت: “إن الشعراء هم جهاز الحس في الجنس البشري، ومن مخاوفهم وشكوكهم نستطيع أن نحكم بأن العالم لا يسير في طريق الإنسانية، وإنما في طريق اغتراب الإنسان واستلاب إنسانيته” الإسلام بين الشرق والغرب؛ فقد نصح الشاعر من حلّ عليه شاكيا باكيا بقوله:
” نْكْ أسلم فربي راداك نْنّا ياوّاوالِ
أدّ أوكَايو تادرت آفلا مّنعان
تروال إكَماك ستوزومت آسناكن غِين
سْكْر سْرسن آفلا كَر الشبايك موناتاك”
نصحه أن ينتفض ضد الظلم، ويصرخ في وجه الظالم الذي ربما إنما استمد قوته من رضى البقية بقانون الغاب الذي سلّم بالغلبة للأقوى، وبالنظام الطبقي المرهق؛ وعاتبه ساخرا بمسؤوليته تجاه ما لحق به جراء صمته، وأوعز له أن يفكر مليا ويستمد قوته من قانون الغلبة نفسه وهو: إذا كنت الخاسر بالوضع الجائر الذي رضيته؛ فاعلم أنه مصدر قوتك؛ وذلك أن تستمد الثبات والنصرة من تأمل الموت؛ فإن كان أجلا محتوما، فانتفض ضد الظلم وواجه المظلوم ولو اقتضى الأمر أن تأخذه معك لشباك الموت فتكون خسارة مشتركة، وتسوية منفِّسة..
– والموضوع الثاني: هو صرخة الطبيعة في وجدان الشاعر.
وقد أحسن علي شوهاد المرافعة صونا لحرمة الطبيعة التي سخرها الله لابن ءادم وفق مبدأ الإئتمان؛ أي ما حولك يا ابن ءادم مسخر لك لتستثمره في الخير شاكرا ربك المسخر، حافظا لمن سيأتي من إخوانك حقهم في هذا الخير، فاستمتع وتجنب الإسراف.
مرافعة وثقت حادثة تسرب محروقات ومواد سامة في سفينة بالمحيط الأطلسي للمغرب (ثمانينات أو تسعينات القرن الماضي)؛ فنتج عنها كارثة بيئية، ويعلم الله ما سببه التلوث من قتل ودمار مرهق للأرض والإنسان والكائن الحي عموما. فما انفلت من شباك قوارب الصيد يُصبه سمومها.
“تان إفْلْت أوغرابو سْفلاس إيفي سّم”
وقد جمع الشاعر بين الموضوعين برمزية “السمك” لأنه الأقرب لتصوير ما بالإنسان والأرض من ظلم، وما صدر عنه من عنف معا. كما صوّر جشع الرأسمالية الحديثة في الاستنزاف والتدمير الأناني فقال:
” أوسيند إغروبا اللحيق أولا تالحيق”
كما جمع بينهما بكون الهول المخيف المخزي قد عمّ وطمّ، وأن السلم قد خفت شعاعه، والجور ارتفع صراخه، والاغتراب قد أعمى الكيان، والحيرة بلبلة المشاعر… فقال:
” كولو ما يخلق ربي غيكَي واكال
أوريهنا يان، أوريهنا يان آوي
غْمكلي تْكَا اكولو تكَا دونيتِ
أوريهنّا مان، أوريهنا مان آوي
إمّينو آيمي رورح آيليغ رميح،
غيلي نرا ياكَوك، آر نتيكساض آزمز
قصيدة “أسلم” لعلي شوهاد – وكذا قصيدة: “أركَان”- مرافعة حقوقية، وصرخة فلسفية، بلغة شعرية راقية؛ استحقت أن تتوج بلوحة فنية، أو مسرحية مشخصة، ولم لا فيلما قصيا. أما أن تنال حظها من التعريف والتتويج العالمي من طرف مؤسسات صون البيئة والثقافة؛ فربما لعنة اللغة، وهزالة النضال الثقافي والحقوقي وانحرافه إلى الصدام السياسي، وكذا عزت وإباء الشاعر علي شوهاد حال دون ذلك مع الأسف.
قصيدة تستحق أن تدرج في المقررات التربوية باعتبارها نضالا بيئيا راقيا، ونموذجا فنيا بديعا، وخيطا رابطا بين الأدب والفلسفة والحقوق. هل هناك وعي بهذا؟ لا أعرف! إنما ضميري وقناعتي تلزمني بتحمل مسؤولية البيان. مع إيماني بمبدأ: “والله لا يضيع أجر من أحسن عملا”. والسلام.
محبكم حسن بن الحسن اهضار
لا تعليق