لن نكبر على شعرنا أربعا....

 

قيل للأصمعي لم لا تقول شعرا؟ فقال:  “الذي أريده لا يواتيني . والذي يواتيني لا اريده أنا كالمسن اشحذ ولا أقطع” .

فيا عجبا كيف يصف الأصمعي نفسه بذلك وهو ملك البيان ؟ … و سوف تتعجب معي أكثر إذا علمت أن تلك القولة تنسب حتى للخليل بن أحمد الفراهيدي الذي فك طلاسم أوزان الشعر و اكتشف موسيقاه و وضع عروضه…ومع ذلك لم يحشر أنفه في فن لا يرى نفسه متقنا له و لم يركبه الفضول ليزاحم معاصريه في نظم القوافي واكتفى بأن يكون مسنا( بكسر الميم وفتح السين) يشحذ  _ وهي مهمة لا يستهان بها_ ولم يطمع في أن يكون سكينا يقطع …

أفلا ترى معي ايها القارىء الكريم أننا في أدبنا الأمازيغي ابتلينا بعصي لا تشحذ ولا تقطع ؟

إن ما يشهده شعرنا الأمازيغي في الآونة الأخيرة من هجمات شرسة من قبل بعض الأغرار ليدعو إلى الحسرة …ويتحمل وزر تلك الهجمات أشخاص حملوا معاول الهدم نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي وشرعوا في تخريب بيتنا الادبي من الداخل و لا فائدة من ذكر الاسماء.

كما يتحمل نصيبا من ذلك الوزر بعض من تعمدوا التكاسل والتقاعس وآثروا السلامة فلم تتحرك بدواخلهم تلك الحمية الكفيلة بجعل ألسنتهم تصدح بالحق مع أنهم يدركون جسامة الكارثة التي ستنزل بتراثنا الشعري و موروثنا الأدبي لو سكتنا على الجريمة النكراء التي ترتكب في حق لغتنا وشعرنا مقابل إرضاء ثلة من الاشخاص و جبر خواطرهم.

لقد آن الأوان لنقول إن كل من انبرى لكتابة الشعر الأمازيغي دون أن يتعرف على أساليبه وتراكيبه وأوزانه و لغته و مقوماته الجمالية كما ارتضاها الأمازيغ و تواضعوا عليها فهو صاحب دعوى مردودة . أما أن يدعي تجديد الشعر الأمازيغي فتلك فرية مكشوفة لا يراد بها إلا صنع أمجاد فارغة لأناس فارغين دون تستفيد الأمازيغية وآدابها شيئا سوى تشويه الصورة و طمس المعالم وتضليل الأجيال الناشئة وإبعادهم عن موروثهم وتزهيدهم فيه .

ومن الطرائف التي تحضرني _ وأنا أكتب هذه السطور – أنني شاهدت حلقة من برنامج ” تيكليوين” وكان ضيف الحلقة الأستاذ مومن علي الصافي (الفيديو مرفق أسفله) …استطرد الاستاذ في الكلام مع معد البرنامج فوقف عند محطة مهمة من محطات ظهور اولى المجموعات الأمازيغية عند تأسيس مجموعة أوسمان ومما أثارني من كلام الأستاذ كونه أدلى بشهادة بدا لي فيها منصفا فقد ذكر أنه التمس من صدقي ازايكو أن يكتب بعض الأشعار لتتغنى بها مجموعة أوسمان فاعتذر له وصرح بأنه ليس شاعرا و لا علاقة له بالشعر الأمازيغي ووعده مع ذلك بأنه سيغامر ليقتحم عالم الشعر الأمازيغي….!! والتجأ الصافي كذلك إلى أخياط و اعترف هو الآخر بكونه لا يتقن نظم الشعر إلا أنه سوف يحاول.. !!

وإني لأتساءل _ وتساؤلي فعلا مشروع_ : كيف تحول من لا يتقن فنا معينا ولا تربطه به روابط من اي نوع إلى رائد من رواد تجديد ذلك الفن الذي لا يعرف عنه قبيلا و لا دبيرا ؟

هكذا تأسست ” مدرسة  شعرية” لدينا وانبنى على أساسها الهش برج أقيم على شفا جرف هار …لتتوالى الإصدارات بالمئات على شكل صحائف سودت بالمداد وتحتمل أن تسمى بأي شيء ماعدا الشعر فهي ليست منه وليس منها. بينما توارى الشعر الامازيغي وانزوى أنصاره أمام السيل الجارف من الإصدارات ” الحديثة” …في خجل خوفا من أن ينعتوا بالرجعية والتخلف .

وبعد : الم يأن للغيورين أن يعلنوا صراحة أن التضحية بثرات أمة بأكملها في سبيل إرضاء بعض الناس وإشباع غرورهم جريمة ستظل الأجيال تذكرها ما دامت السماوات والأرض إلا ماشاء ربك.

بقلم الأستاذ عبد الرحمان واد الرحمة

فيديو مرفق

عبد الرحمان واد الرحمةAuthor posts

Avatar for عبد الرحمان واد الرحمة

من مواليد 1969 بمدشر أكَادير لهنا بمدينة طاطا، يشتغل أستاذا بثانوية علال بن عبد الله ب طاطا. أسّس جمعية "أسافو للمسرح والموسيقى" في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك مجموعة طاطاماركَ الموسيقية. اهتم بكتابة الشعر الأمازيغي منذ أواسط الثمانينات. شارك في ديوان ثلاثي "تاجا ن ئكَزار"، وفي ديوان جماعي "أوال ئدران"، وله ديوان فردي تحت الطّبع. تغنى بأشعاره مجموعة من الفنانين: مجموعة طاطاماركَ، الفنان حسن الوردي، مجموعة ئزماون، مجموعة لرباح ن سوس، مجموعة أجيال سوس، الفنان كَرابي عبد المجيد، عبد العالي ئزنكاض...وآخرون

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *