من مراثي الشاعر مولاي علي شوهاد...
"أفوس ن لاجال".
لطالما كان الرثاء ولا يزال غرضا من اغراض الشعر الأساسية ؛ إذ يحرص الراثي على ذكر مناقب المرثي والتعبير بشتى الأساليب عما خلفه فراق المفقود من ندوب في القلب المكلوم.
وشعرنا الأمازيغي ليس بدعا من الأشعار إذ لا يخلو قديمه و حديثه من روائع القصائد في فن الرثاء مع ما بين الشعراء من تفاوت .
و سنتوقف للحظات مع شاعر أمازيغي معاصر تناولت قصائده مواضيع شتى
وغطى إبداعه من مناحي الحياة مساحات شاسعة …ولأن شاعرنا يعبر عن الحياة فإن شعره لا يقتصر على تناول “تيمات” بعينها كما يفعل بعض من يدعون الإلتزام فجاءت ” أشعارهم” – إن صح أن تسمى شعرا – على شكل شعارات احتجاجية احيانا و على شكل بكائيات في احايين أخرى….فقد برع في الوصف وبلغ فيه مبلغا كما تدل على ذلك قصيدة ” لفال ؤمليل” وغيرها من القصائد . وبرع في الغزل العذري كما تبرهن على ذلك قصيدة ” تازريوين” وبرع في نقد الظواهر الاجتماعية السلبية ؛ كالنفاق الاجتماعي ( مرب آ النييت..). و تحدث عن البيئة ( قصيدة باب نوجميل. وقصيدة أسلم…) وتحدث عن الهجرة القروية ( تاونزا د ؤوحايك..) …ولن نسترسل في ذكر المواضيع التي تناولها مولاي علي شوهاد لأن المقام لا يتسع لذلك . ولكن سنتوقف عند غرض الرثاء الذي نال حظه هو الآخر عند شاعرنا الفذ. وسنختار قصيدته التي رثى بها اخاه الشاعر مولاي عبد الكبير شوهاد الذي كان رحيله فاجعة أصابت الساحة الشعرية الأمازيغية .
و مبلغ علمي أن علي شوهاد رثى أخاه بقصيدتين إحداهما ( لخميس أسكان) والثانية ( أفوس ن لاجال.) وقد تكون لديه مرثيات لعبدالكبير لم نطلع عليه فهو غزير الإنتاج . وسنحاول في هذه العجالة أن نتجول رفقة القارىء بين ابيات قصيدة ( أفوس ن لاجال) لنشارك شاعرنا حزنه وأساه و توجعه فنتذكر شاعرا اختطفته يد المنون وهو في زهرة شبابه وفي عز عطائه الفني والشعري .
يقول الشاعر علي شوهاد في مطلع القصيدة ( المرثية) بنبرة حزينة وبصرخة مزلزلة من مفجوع متألم:
إفين ؤفوس ن لاجال غ ؤل ئنو تاكات.
ار ؤكان كيخ ئسيكيل تاسا س لمنشار.
يوفا تنت يوسيتيد ؤر سول أخ ئشاوير.
تيويت آ لموت غوادا نرا تيريت تودرت.
ييريت كيوان ربي ئرات ؤلا نتان.
ئزوورين سرس ربي ضرخ س أكال أر ألاخ.
نعام آ لحكم نربي تحريت مش مقار.
يصور الشاعر فاجعة موت أخيه جاما من الجمر افرغته يد القدر ( يد الاجل) في صميم قلبه… إذ ظلت تنقب بين الأحشاء بالمنشار إلى أن ظفرت بمرادها فأخذت من الشاعر كبده دون مشورته… وهكذا شاء القدر الإلهي أن ينتزع من الشاعر شخصا أحبه واحبته الحياة واحبه كثير من الناس ..فما كان من الشاعر إلا أن استسلم ورضي بحكم الله رغم مرارته.
وإلى حد الآن لم يذكر الشاعر اسم أخيه واختار ان يتحدث عنه بضمير الغائب فكأنما اراد أن يقنع نفسه بوفاة عبدالكبير ..ففي مثل هذه المواقف تميل النفس إلى عدم التصديق وتتمنى أن يكون الأمر مجرد كابوس سرعان ما تستفيق منه.
وكأني بالشاعر يتحاشى ترديد اسم أخيه حتى لا يجدد المواجع فيزداد الجمر الذي في قلبه اتقادا ..
ويستمر الرثاء فيقول الشاعر:
ار قايخ ئنفشادن س تاسا غ ئل ؤترس.
ار نشرك د مدن دوعا ار الان ار الاخ.
ئضرد ؤجيك ن لحباب ئنوروح ن ووال.
ار الا ئجاريفن دا ئسلان ئغ ئحوش .
ئسلاو واداك ن زييت حوسان لموت نس.
ئزاد لقبر ن لجديد ئمريري نوسمضال.
تناس تيتكار حضو غ ؤول نيو ليك ئران.
ؤر راكين فلخ اتمضلت غ ئلين ئماتين.
…يستقبل الشاعر التعازي بقلب جريح ونفس مكلومة وكلما رفعت الأكف بالدعاء بكى الشاعر وبكى لبكائه المعزون …وكيف لا يبكون رجلا بكته شوامخ الجبال التي طالما ردد صداها مواويله و بكته اشجار الزيتون التي ألفت سماع أشعاره .
ويا لروعة التعبير حين يقول علي شوهاد :
ئزاد لقبر ن لجديد ئمريري ن ؤسمضال٠
( ارى قبرا جديدا بحافة المقبرة)
تعبير عميق جدا : فكأن المقبرة وطن استقبل وافدا جديدا قادما من وطن آخر رغم أن ” تيتكار ” بمدشرها ومقبرتها مكان واحد.
لم تقبل تيتكار ان يدفن ابنها الأبي بعيدا عنها فحلت نياط قلبها لتحتضن جسده الطاهر.
يعود الشاعر ليخاطب ” تيتكار” التي هي بلدته والتي بدورها رزئت برحيل عبدالكبير :
أح اتيتكار نكي ديم مامي تنت نقيص.
…ثم يخاطب ” اسرير ن تلعينت ” احد ميادين المبارزات الشعرية التي عرفت عبدالكبير وألفت اشعاره ..ليذكرها بأن تلك الحنجرة التي كانت تؤنس المكان بالتغريد و بعذب الاشعار قد توقفت عن الكلام :
أح اياسرير ن تلعينت إتما ووال.
…وهنا استخدم الشاعر ما يسمى بأسلوب الإلتفات إذ انتقل من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب بكيفية مباشرة فكانه استجمع كل قواه وتمالك نفسه ليخاطب عبد الكبير بل ليذكره باسمه هذه المرة :
هياخ نكراد ئما دارك نرات نراتين.
ريخ أك ئك مولانا غ رحمت نمون أسنت.
ؤر توخ يات اتيد ئكتي وانات ئتون.
ارد نتكتاي ئغ نكاور ئغار نساوال .
نيخ تدا نييت نربي س تيلاس ن واكال.
عبد الكبير سفلدي نغيي تنغيت نمون.
تبيت ؤل نيو غ توزومت مناص نس مضلن.
ايليد كيسن ياكورن ار اك ئس ألاخ.
تيغمار تيلي غ نكمر اييتن يوين.
أضورا كمرنت كيكي كسنتي والي ريخ.
يتذكر الشاعر ما يدور من أحاديث بينه وبين أخيه فلا يكاد يصدق أنه مات فعلا …وما يلبث أن يرجع إلى صوابه ليؤكد ان ذاك المصير ينتظره هو الآخر فيتمنى ان يجمعه الله بأخيه في رحمته …لأن شطر قلبه قد دفن مع عبدالكبير والشطر الباقي إنما احتفظ به ليبكي به على فقدان أخيه ….
إنها قصيدة رفيعة المستوى تذكرك بمراثي الخنساء بل قد تتفوق عليها أحيانا.
وبعد : فنحن لا ندعي أننا وفينا هذه القصيدة حقها وإنما كان القصد من هذه الأسطر تذكير المهتمين بالشعر الأمازيغي أننا نمتلك كنوزا أدبية يجب أن تشحذ الهمم
و تستنهض للعناية بها وتعريف الناشئة بها.
وإلى جولة أخرى مع قصيدة أخرى.
عبد الرحمان واد الرحمة
لا تعليق