في ضيافة شاعر طاطا: "الهاشم ايت وحمان"، قراءة لقصيدته: "أوال فوفلا".
أخذت طاطا على عاتقها إكرامنا بأجود الشعر كما تكرمنا بأجود الرُّطَب، وتعريفنا بعمالقة الشعر كما عرّفتنا بعباقرة العلم والكُتاب؛ أوليس أبو زيد التمنارتي -رحمه الله- أحد أبنائها البررة وهو صاحب “الفوائد الجمة، في إسناد علوم الأمة” وأول من اشتكى تفريط السوسيين في التأليف والتأريخ فأسس لمشروع التأريخ بفهرسته النفيس هذا (الفوائد الجمة)؟ أوليس أغلب كبار شعراء سوس من أبناء طاطا رحم الله من مضى وبارك في من بقي.
هذه باقة إعجاب وإبهار ما فتئت أرددها إعجابا بطاطا وأهلها، وَاحَاتها وليالي شعرها، “إسوياس” مجموعاتها الغنائية وكُتّاب كلماتها؛ لكنها كما عنون يونس مسكين أحد مقالاته أخيرا “طاطا نصفها ذهب” وذهب هنا بمعنييه؛ باعتباره فعلا ماضيا تأسفا على ما نالها من تهميش لعوامل عدة.. وبمعنى المعادن المادية والمعنوية لكنها وأهلها لم ينالوا حظهم منها مع الأسف..
وينسب لأحد شعرائها الكبار وهو مبارك بن زيدا حين شبه طاطا بيتيمة لحقت لعنة استغلالها كثيرين، وشبهها كذلك بلباس بالٍ لم يكتفوا بالتناوب على لبسه؛ فأضافوا لذلك التناوب على قطع أطرافه، فقال:
أطاطا تْݣا تِݣيݣيلت أوريطافن ماسْ
أمْيا بلا يان أݣّيس إشّان آكُوراي
أطاطا تْݣا اقْشّاب إيركان آريتاسّوس
ونات إلْسان إبي كيت يان طْرف إفْلْت ..”
والمرارة نفسها مع شعرها وشعرائها؛ فبطاطا شعراء –بصيغة الجمع- وليس شاعرا واحدا بصيغة المفرد.. ! وأرجو أن يتيسر التعريف ببعضهم، ونشكر من يناضل في هذا الثغر إحياء لقيمة الاعتراف، ومساهمة في فتح مغارات كنوز القول البليغ والنظم البديع والخيال الخصب الفسيح. في زمن غزت الخوارزميات أدمغتنا، وبرمجت برموزها لغتنا، وعطلت خيالنا وتعبيرنا؛ فصار اللسان الأمازيغي
-والعربي كذلك- غريبا بين أهله، معطلا في عقر داره، ضاع اللفظ والنظم معا. وفي هذا السياق صرخ وصدح الشاعر علي شوهاد فقال:
“إجْلا ووال إيدْبابْنس مْقارد العار
أݣْفاي إماطْلن غ تافوكت الرايب آيان
آيْكْ أُورنيح آلولو سيدروس أوفهيمن
آشكو نيحاك أوال الأصل إيدا جلاناخ
أُورد إسنعيب إويّا دارسن ليغ لولان
كُويان داقران إيناس نْكْ إينّا غْريحاس.”
وأقرب معن المقطوعة النفيسة بأن الشاعر اشتكى من كون الكلام (نظما ونثرا، لفظا ورمزا) قد ضاع من أهله، وذاك عار عليهم وأسى، وجاء بمثالِ انصراف التداول اليومي عن الألفاظ الأصيلة إلى الدخيلة دون مبرر، فكثيرا ما تم استبدال ألفظ أمازيغية أصيلة ذات جذور وإيحاء وظلال.. بأخرى في اللسان الدارج لأنها صارت ظاهرة يمتطيها أناس دون مبررات إلا عقدا نفسية خفية؛ أو مزجها بمفردات لغات (كالعربية والفرنسية) رغم كونها لم تُبَيّأ لحاجة مقنعة معرفيا وثقافيا ودينيا كالفردات التي تم تبيئتها وفق قانون الترحال اللساني بين اللغات.. وجاء بمثال استبدال لفظة “أَلولو/ تَلولوت الدال على الحيلب الذي تخمر –استبداله- بلفظة دخيلة بلا مبرر هي “الرايب” . وإذا تأملت اللفظة الأصيلة وجدتها تحيل على ذكريات وتلقي على ذهن الملقي والمتلقي والفضاء التواصلي عموما ظلالها ذات جذور ثقافية وعرفية عميقة، ( مكانة البقر في المنزل، أعراف حلب الحليب وما يتبعه، الكرم..) أما “الرايب” فقد قطع جذوره في المخيال الاجتماعي مكتفيا بالمادة التي تباع.. وهكذا وثقت اللفظتين –بوعي او لا وعي- محطتين من وجودنا؛ فالأولى تحيل على الإنتاج والعمل وذكريات الطفولة الغنية.. والثانية تحيل على مجتمع قطع جذوره بأصله، وانتقل من مرحلة إنتاج معيشته إلى الاستهلاك كشأن المدن..
واستدرك الشاعر بأن العناية بالهوية واللغة رسالة وجود وحياة؛ فكل يتعلق بأمه وينتسب لها مستمدا وجوده وعبقه منها..
ها نحن اليوم في ضيافة شاعر من بلابل أسايس وشموعه؛ إنه الهاشم ايت وحمان؛ شاعر قليل الظهور لكنه كالبدر في طلعته، قليل الكلام إلا أنه كالراهب إذ يعم السكوت حين مبادرته، لا يحب الزحام لأنه اختار أن يكون كالعود لنُدرته. فهو رجل متقن لشعره ينظمه نظما، ويسبكه سبكا مبدعا، فليس من الطائفة التي تتحدث في كل شيء بلا شيء، وتقحم نفسها في الكلام من أجل الكلام، وتتسول إعجاب الجمهور في بهرجة الزحام. وتبرز طلعة الهاشم في أسايس فيما يعرف ب “تامسوست”،
وعرف الشاعر الباحث داود السوسي هذا النمط بأنه: ” تامْسّوست/ أمْسّوس: من فعل (إسُّوسْ) الدال على النَّفض، كنفض الغبار ونحوه، واستعيرت اللفظ لهذا النمط الشعري/ الغنائي لما فيه من عملية الإلقاء مع الالتقاط كما سيظهر في تعريفه، وهو مقطوعة شعرية قصيرة يتفنن الشاعر في إلقائها بألحان شجية، يختار لها موضوعا ووزنا مناسبا لنوع الرقصة، ولطبيعة الموضوع ومغزى تدخل الشاعر صاحب (أمسوس) إن جاءت بعد حوار. فيردد راقصوا أحواش آخر بيت وحده، أو مع لازمته إن كانت له لازمة.. وهي موجودة كذلك في أحواش الخاص بالنساء، غير أنهن لا يرددن آخر بيت فقط، يل ينسجن على منواله ردّهن على مُلقيها بالترحَاب أو بما يليق به وبالمقام.” من كتابه: (أسْقُّول في الشعر الأمازيغي بسوس وعروضه، داود السوسي. 12 بتصرف.
وإذا كان عندليب أسايس وبدرها عبد الكبير شوهاد –رحمه الله- أجلّ من يتقن ويتفنن في تامسوست، وصنوه في أسايس امحمد أݣرام شفاه الله؛ فالهاشم ايت وحمان يأتي بعدهما في الرتبة إبهاجا وتفننا، ويبدع في ألحانها وحسن اختيار موضوعها.
ولشاعرنا الهاشم صنو آخر – في هذه الاعتبارات- من أبناء طاطا هو “البشير أوتمنارت”، فهو متقن مقلّ، قنّاص مُلِمّ ! أرجو أن يتيسر اللقاء به في مقال آخر بعون الله. وتستحق طاطا – في ولادة الشعراء الكبار أن ننشد عليها:
وما عَقُمت أمّ الندا بعد حاتم … لها كل يوم في البرية مولود.
- ومن أعماله الفنية المنشورة قصيدته:
- “أوال فوفلا” التي غناها ونشرها بقناته 2023 باليوتوب، وتندرج ضمن مسؤولية “إنفلاس نِيموريݣ” أي نقد العمل الشعر وأهله، ومطلعها:
“آيَوال إيكْلين إيتياوْحْݣاري
آوَنّاتكا إلْكْمن؛ آرْتْن رْݣيني”
ولعلي شوهاد قصيدة مؤثرة بهذا العنوان ” أوال فُوفْلّا”/ وتقريب العنوان “(خلاصة الكلام، أو نهاية الكلام) أو بيت القصيد، وذلك بحذر؛ لأن لعبارة “أوال فوفلا” عندهم إيحاء نفسي خاص يحمل في طياته: صرخة النذير.. وقد سجل علي شوهاد قصيدته هذه (أوال فوفلا) تسعينات القرن الماضي.
- وقصيدة صور فيها 2020 معاناة زمن كورونا بأسر الشاعر، والحرمان من لقاء الأحبة وكبت المشاعر، اختار لها لحنا وأداءً آلة الرباب التي أضفت عليها جمالا مؤثرا، ومطلعها:
“أياحبيب أوروفيح سول آك زرّاحي
مقّاري أُورتاݣوݣْت إبي وْغاراسي..”
- وقصيدة “الحِيز” / (الحِمى)، وأظن سياقها زمن كورونا كذلك. غناء مجموعة ئِزاليون 2023، ومطلعها:
” أجّوكان آوال،
نْغال إيسݣيونت آدّونيا يْلاّ لامان
أجّوكان آوال،
رْزْمْخ إلهم نْتُودْرت، ولا وِين الموت..
أجّوكان آوال،
غاسّاد إكْساح الحيز آحواش أتين ْلْكْمح
أجّوكان آوال،
آداح إفسي ربي غُوسْكْرف إما يُوسّاح”
وهي مرافعة شعرية، وصياغة فنية لوضع الفن عموما والشعر خصوصا، في أبعاده الوجودية والثقافية الكبرى، وبذلك فقد حلّق فيها عاليا بتأملات وجودية، وتحديات الواقع والمعيشة لمن اختار المرابطة في ثغر الفن الأصيل (الملتزم)، ولكل من يدب في أرض الله لما آل إليه الواقع المر..
واختارت لها مجموعة ئزااليون لحن أحواش ن طاطا المعروف ب: “أهْنقّار”، وهو نمط غنائي أقرب إلى بحر المتقارب في القصيدة العمودية وفق تصنيف خليل بن احمد رحمه الله. ومن نماذجها قصيدة أبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة … فلا بد أن يستجيب القدر
تسير نغمته سير العيس (الجِمال) متوسطة الخطى، أي سيرا وسطا يُحدِث وقعُ أرجلِها صوتا له هيبة ووقع موسيقي كتداريب الجنود..
أما قصيدته: “أوالْ فوفلا” / خلاصة القول، أو بيت القصيد، المشفوعة بصرخة النذير وصيحته –كما تمت الإشارة- فقد اختارها نقدا لاذعا، وأسى محزنا، ومرارة موجعة؛ لوضع الشعر الأمازيغي بسوس، (ووضع الفن والثقافة عموما)؛ خاصة ما آل إليه حال أسايس وأهله. فقال في مطلعها:
“آيَوال إيكْلين إيتياوْحْݣاري
آوَنّاتكا إلْكْمن؛ آرْتْن رْݣيني
إيغِساول أوريسْنْ يان مادنّاني
إيݣا زونْدُكان (آݣا) ليبِّني
آينّاد يُوݣْم سِمينس إيرزْماسي”
في هذا المقطع يتأسف الشاعر على وضع “أمارݣ” الشعر والفن في مجالنا؛ لكونه مُحتقَرا من طرف ممارسيه، مُهانا في يد مزاوليه، فصار كل من بلغه يتلاعب به ويهينه ويخلط فيه، انتهكت حُرمته، وأسقطت هيبته؛ فصار حله أشبه بدَلوٍ (أݣا) ممزق لا يمسك ماء، ولا يروي عطشا ولا رِيّا؛ مزقه البِلا، وخرقته أيادي الأدعياء الذين أذاقوه ما عجزت عنه الأعداء. وهذا التشبيه البليغ، والتصوير الشعري البديع؛ يحيل على مكانة الهاشم في اقتناص الصور الشعرية، والتشبيهات البليغة، والأمثال السارية، وتوظيفها لرسم الحال والعبر، كما يحيلنا على تأثره بمصير أسايس عصر النجومية والدرهم؛ بعد أن كان بابه الكفاءة الأصيلة بالشعر والقيم، والتسليمُ لأهله المتدثرُ بالتواضع والحكم..
فقد انقلب التشبيه في نظر المتلقي –كما تلقيتها طبعا، وأرجو تأملها على لسانه بالرجوع لرابط القصيدة أعلاه- من وصف حال أسايس إلى استكناه نفسية الشاعر وهو يصوغ قصيدته هذه، وهي نفسية من يعتصره الألم، ويضنيه السأم، وينزعج بحشرجة الأدعياء المتطفلين، ورداءة نظم المتهافتين؛ تعزز ذلك بلحن حزين صاغ فيه قصيدته، وتموّجات صوتية أضافها للغناء كقوله:
“إيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي آيمارݣي:
واتْلْكمْت ݣار آزْمز لْكْمختي
آيلّيدْكِيكْ نْكْر كَّاميختي
إيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي آيماركي
إيقْنْضْ الرّجا يْقنض العاقلي
أتِلّي وْرْنْتام آدِّروحني..”
وأقرب معناه، مع الإقرار بأن الترجمة لا تبلغ المراد؛ لأن الصياغة الشعرية هنا آهات نفسية، وأحاسيس وجدانية، وليست عِبارات صورية، بل عَبرات حارة. أقربه بما يلي:
آه آه آه أيها الشعر المسكين !
ها قد بلغت زمن الأنين
ما أدركتُه فيك انقرض، فالحنين.
آه آه آه أيها الشعر المسكين !
قنط الرجاء والقلب الحزين
بلغت ما لم يختلج يوما بذهن الأمين.
وهنا يبرز الانسجام بين العنوان والنغم والحقل الدلالي (أوال فوفلا الذي جعله عنوانا، وتشبيه حال الشعر بالدّلو الذي أصابه خرق، وبالمثال البليغ حين أشار إلى أن الذين شرفهم الشعر هم من جعلوه عيدا للذئب؛ وهو دأب غدر الأصحاب، وإهانة الأولاد..
ثم وجّه بندقيته بلا رحمة، ورفع عقيرته بلا خجل وشفقة، لأن الدفاع عن الحِمى (الحِيز/ أكْدال/ أكَادير..) مبدأ للمرابط الأمين، والشاعر الأصيل، والمواربة فيه تملق أقرب للنفاق؛ وجهها لمن يلقب ب “أنضّام” / الشاعر فقال:
“آحْ أيانْمُو تينينْ مْدْنْ أنضّامي
أٌورِسّين إيݣلّين إسݣِيت هْضرني
إيغيبيد غُوبَراز آرْكا نْدْرني
أوريسين ݣار أوال إسور عْدْلْني
مْقار إيكْنا ووال إينا يْغْزاني
إيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي وايمارݣي
وِيلّي ميتْݣيت اتيݣْ مْقّورني
آݣيكْ إيسكْرن العيد وُوشني.”
يذكر الشاعر هنا بالمسؤولية الفنية والأخلاقية والنضالية للشاعر، مذكرا إياه بأنه متابَع ومسؤول عن كل ما يصدر منه، وأن هناك أمانة تقلدها في عنقه، هي أمانة تشريف الشعر الذي شرفه بالانتماء إليه؛ تشريفه بالحرص على حسن الصياغة والعروج به نحو مدارك الجمال، وتشريفه بأن يجعل المتلقي يشرئب لفك ألغاز نظمه، وتأويل معاني رموزه؛ وليس الدُّروك به لسفاسف القول وفراغ المعنى الذي يقاتل للحصول على شهادة “النظم فقط”/ الموزون المقفى، أما شهادة الشعرية التي يبلغها بالتصوير الفني ومقومات البلاغة والخيال فقد تنازل عنها..
لذا تأسف من تكاثر الأدعياء كالفراش المبثوث، وتبوئهم منصة الانتساب للميدان، مكتفين باستمداد المشروعية من جمهور صار يلقبه بما لم ينله بعد وهو “الشاعر”. فهذا اللقب يناله المرء بالاحتكاك بأهل الميدان، وبمستوى نظمه جودة وجيدة، محذرا من اختيار أسلوب الإضحاك والسخرية والبهرجة التي تروج سوقها بين الجمهور مع الأسف.. واستعمل مثالا بليغا لكون صرح الشعر تهدم بمعاول أربابه فقال ما معناه: آه أيها الشعر المسكين، من أكرمتهم هم من أهانك فجعلوك عيد الذئاب..
وقد صوّر الشاعر عبد الكبير شوهاد رحمه الله في مقطوعة “تامسوست” ما يفعله أرباب كل ميدان بمجالهم هدما وإهانة وانحطاطا به؛ فقال:
وايـــــّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه، أللآيْل أللآدلالِ.
وايّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه، إغنجاون الّي تّآݣْمنينِ
وايّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه أتِكينْتْ أكْنت إيضرّانِ
وايّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ونّا ݣيم يوݣِمْن إيغ رمينِ
وايّــــــــــــــــــــــــــــــــــــه إيفْل داخ تاولا ݣيوْنْتِ
وايّــــــــــــــــــــــــــــــه إيفْل داخ تاولا ݣيوْنْتِ
وايّــــــــــــــــــــــــــــــــه إويلي كْنْت تّْرْزّانين.”
وهنا شبه المجال الذي استوجب من أهله صون حماه، وحفظ محيّاه، وإعلاء صرحه وبناه؛ شبهه بقدر تتناوب المغارف التي تستقي منها على كسر جدرانها؛ كلما استقى مغراف ترك كسورا ورضوضا، وجاء بعده شبيهه تباعا.. وبالغ في هذه الرمزية العميقة؛ ما يمنح المقطوعة صفات الشعرية العالية، وللمعنى إمكانية الإسقاط على كل مجال أفسده أهله؛ كالفن والإعلام وتدبير الشأن العام وتسيير المؤسسات والمقاولات ..
أما مسؤولية الجمهور ودورهم الغائب في تثمين المنتوج الجيد، ومحاصرة الرديئ؛ فقد صورها علي شوهاد في قصيدة لم يُنسج على منوالها، ولم يرافع شاعر عن حياض الشعر وحِماه بمثلها؛ إلا قصيدة “تامغرا وُوشن” للشاعر علي شوهاد نفسه؛ ومطلع قصيدته الأولى:
“إفّيدْ يان أُكَبار فْ تفّا الهوى يْݣْلّين”
فتأسف من مشكل ندرة الذوق السليم ومسؤولية حسن الاختيار لدا المتلقي فقال:
“ياتْ كايْبْرُّويْن تاسانْوْ آريي تْهوّال
ݣار آمْساغ سْݣَدّان أتيݣ إيمْرزيكْ دْ إميم”
فما مزّق كبده وطعن فؤاده حين رأى حِمى الشعر والفن الأمازيغي تنهال عليه الأيادي، وبيدره تزدحم عليه بهرجة الأدعياء؛ ما فعل ذلك به هو من سَوّى بين ثمن وقيمة الحُلو مع المر؛ من لا يميز بين الجيد والرديئ؛ وهو إشكال الذوق السليم، وندرة النقد الاصيل.. وتلك صفحة أخرى نعرض عنها الآن.
- وأشار إلى أن جودة وقيمة ورفعة الشعر والفن هبطت أسهمها لما فرط الناس في “أسايس”
” غاسْلي بْضان مْدن دُوسايس
آيمارݣ أتْنْزيت دّولاوني
آيَوال نيموريݣ أوركا تجليتي
آكْنياف سوقمّو؛ يانكا يْجلاني
آيان إيحݣرن آوال آرت إيسحݣاري
إيموالنن أور رّْخين، إيسان غْلاني
آيناسن أورِسْن أورايݣّاني.
آوَنّاوْريسْن آدِّسّاشكي
آوالنْك يوفاس إيغِكْمْشي
إيغ إزْلض يان إيزلض إمينس؛
آريتّاوس إلهنا ݣْن وينس…
آحْ أيايت إيموريݣ إخلا وْشباري
إيكّاتين يان أوزمز إيزري غ الدونيت
آكُويان دْ مْنيدنس أورتين زريني
إيغيلا الفرح نماݣارن إينݣاني
………..
وهكذا خص مقطع الختم لقصيدته لإبداء مقارنة بين وضع أسايس قديما وما آل له الآن، مبديا بعض أخلاق أسايس وأعرافه في تلقين الشعر والأخذ بيد المتعلمين، مع مقابلة الأنداد والحرص على حسن القول وأجوده، وتجنب سفاسفه وعثراته.. وكلها رسائل لأهل أسايس والفن عموما رجاء تشريف رسالتهم النبيلة بفنون القول وجميل الحال.
هذه وقفة وجيزة مع الشاعر ايت وحمان، فليعذرنا هو والقراء (ات) الكرام (ات). فله علينا حق الضيافة والإكرام، ولغيره ممن ناضل في محراب نظم القول وتنمية الذوق والتربية والفكر والوجدان؛ حق الاعتراف والتعريف. فما آل له وضع اللسان والخيال والتعبير مخيف يستوجب تظافر الجهود. والسلام.
بقلم ذ. حسن أهضار
لا تعليق